للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا أيضا بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: ((لما مات النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي فقال أبو بكر: من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا، قال جابر فقلت: وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يديه ثلاث مرات، قال جابر فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة)) (١) .

وأخرجه البخاري بلفظ قريب في باب من تكفل عن ميت دينا (٢) . قال العيني: وقد استدل بعض الشافعية على وجوب الوفاء بالوعد في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم زعموا أنه من خصائصه ولا دلالة فيه أصلا لا على الوجوب ولا على الخصوصية (٣) .

ومما استدل به أصحاب هذا الرأي ما أخرجه البخاري وذكره في معرض الاحتجاج لوجوب الوفاء بالوعد عن المسور بن مخرمة أنه قال: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر صهرا له فقال: وعدني فوفاني " (٤) .

ومن ذلك أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: ((وأي المؤمن واجب)) (٥) بمعنى وعده واجب الوفاء به.

واستدلوا كذلك بما رواه الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((" لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدا فتخلفه)) (٦) .

ومن أدلتهم بهذا الخصوص أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وعد وعدا قال: عسى، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا يعد وعدا إلا ويقول: إن شاء الله، وقد حمل الغزالي ذلك بعد ذكره لهذا الخبر، على أن الواعد إذا جزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد جازما على أن لا يفي، فهذا هو النفاق (٧) . لكن صاحب مرقاة المفاتيح قال بعد نقل هذا عن الغزالي: وهذا كله يؤيد الوجوب إذا كان الوعد مطلقا غير مقيد بعسى أو المشيئة ونحوهما مما يدل على أنه جازم في وعده، فقول الغزالي محل بحث (٨) .

وقد حمل أصحاب الرأي الأول الروايات التي استدل بها الفريق الثاني على الندب والاستحباب.


(١) انظر عمدة القاري ٢٥٨/١٣وصحيح البخاري بشرح فتح الباري ٢١٨/٦
(٢) انظر العيني في عمدة القاري ١٢١/١٢
(٣) عمدة القاري
(٤) انظر عمدة القاري ٢٥٨/١٣ وفتح الباري ٢١٨/٦
(٥) انظر الفروق للقرافي٢٠/٤
(٦) أخرجه الترمذي وقال عنه: حسن غريب. انظر تحفة الأحوذي ١٣١/٦ عارضة الأحوذي ١٦١/٨
(٧) انظر إحياء علوم الدين ١٣٣/٣
(٨) انظر مرقاة المفاتيح ٦٥٣/٤

<<  <  ج: ص:  >  >>