للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل في هذه الأخبار أن إخلاف الوعد قد عده النبي صلى الله عليه وسلم في خصال المنافقين، والنفاق مذموم شرعًا، وقد أعد الله للمنافقين الدرك الأسفل من النار، حيث قال جل ثناؤه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (١) .

وعلى هذا يكون إخلاف الوعد محرما فيجب الوفاء به.

وقد صرف بعض شراح الحديث معنى النفاق الوارد في الروايات المذكورة عن حقيقته، فقالوا: إن المراد بإطلاق النفاق، الإنذار والتحذير للمسلم عن ارتكاب هذه الخصال أو اعتيادها والتي يخاف عليه أن تفضي به إلى حقيقة النفاق، وهذا المعنى حكاه الخطابي وارتضاه (٢) .

كما قال البعض منهم، بأن المراد بالحديث، المنافقون الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوا بإيمانهم وكذبوا، وأتمنهم على سره فخانوه ووعدوه بالخروج معه للجهاد فأخلفوه، وقد روى محمد المحرم هذا التأويل عن عطاء وأنه قال: حدثني به جابر، وذكر أن الحسن رجع إلى قول عطاء هذا عند بلوغه الخبر.

وقد رد ابن رجب الحنبلي على كلام محرم هذا بقوله: " هذا كذب والمحرم شيخ كذاب معروف بالكذب" (٣) .

فالحديث عام في كل إنسان يظهر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الأكبر، والنفاق الأصغر وهو نفاق العمل " وهو أن يظهر الإنسان علانية صلاحه ويبطن ما يخالف ذلك ". والنفاق هذا ترجع أصوله إلى الخصال المذكورة في هذا الحديث وغيره (٤) .

ومن الأحاديث النبوية التي استدل بها أصحاب المذهب الثاني ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة نبي " (٥) .


(١) سورة النساء آية ١٤٥
(٢) انظر فتح الباري٩٠/١، عمدة القاري ٢٢٢/١
(٣) انظر جامع العلوم والحكم ص ٤٠٣
(٤) انظر جامع العلوم والحكم ص ٤٠٣
(٥) أخرج الحديث البخاري عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، وهذا قطعة من حديث قصة هرقل. انظر العيني ٢٥٩/١٣

<<  <  ج: ص:  >  >>