وتاريخ هذا العصر يحكى عن مثله، وهو أن رجلًا أمَّن حياة والدته لدى شركة التأمين، فبعد إبرام العقد وتسليم بعض الأقساط صنع له قنبلة ووضعها تحت كرسى ثم أمر والدته أن تجلس على الكرسى فثارث بها القنبلة حتى جعلتها قطعًا فذهب إلى شركة التأمين يطالبهم بعوض حياة والدته، فبعد إجراء البحث والتفتيش عرفوا تمام المعرفة أنها خيانة ومكيدة من الولد على والدته حرصًا منه على الحصول على عوض حياتها، وقد اعترف لهم بذلك بعد تحديه بالأمارات والدلائل. وأما قولهم: إنه قد يخلف هذا المال لأولاده الضعاف فإن حسن المقاصد لا يبيح المحرمات {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فكم من غنى خلف أموالًا كثيرة فاجتاحتها أيدى الظلمة وأجلسوهم على حصير الفقر أو صار هذا المال سببًا في فسقهم وفسادهم. وكم من رجل نشأ فقيرًا فرزقه الله مالًا كثيرًا، وفى الحديث ((من أحب أن يحفظ في عقبه وعقب عقبه فليتق الله)) فاحفظ الله يحفظك أي في دينك ودنياك وفى أهلك وعيالك.
ثم أن القائلين بإباحة التأمين على الحياة لّما لم يجدوا نصًا يعتمدون عليه ولا قياسًا يستندون إليه، أخذوا يركبون التعاسيف في الصدر والورود ويستدلون بما يعد بعيدًا عن المقصود، شأن العاجز المبهوت يتمسك في استدلاله بما هو أوهى من سلك العنكبوت، اشبه من يحاول اقتباس ضوئه من نار الحباحب والتماس ريه من السراب الكاذب، من ذلك استدلالهم ببيع الوفاء، وهو أجنبى عن البحث في الحقيقة والمعنى فلا يمت إليه بصفة ولا صلة.