فالمصرف الإسلامي لا يستطيع – حتى لو أراد ذلك – أن يكون مخزنًا عالميًّا لكي يشتري ويقتني من أجل البيع والشراء كل ما يخطر على بال الناس من السلع التي قد يحتاجون إليها في أعمالهم وأغراضهم ومتطلباتهم. ولكن هذا المصرف يستطيع أن يشتري ما يطلبه من صاحب الحاجة وفقًا لظروف كل حالة بحالتها.
ويمثل هذا الباب من أبواب التعامل نوعًا من الاستثمار الذي يغلب عليه عنصر البعد عن مسببات الخسارة التي قد تنتج من جراء الإقدام على شراء السلع يصيبها الكساد أو التلف أو يزيد في كلفتها التخزين والحراسة والضوابط الإدارية.
فما الوجه الفقهي الذي اعتمد عليه في تخريج هذه الصيغة العملية؟
الفرع الثاني: الوجه الفقهي لتخريج صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء:
كانت العمدة في تخريج صيغة بيع المرابحة للآمر بالشراء مبنية على ما ذكر في كتاب الأم للإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – حيث أورد فيه ما يلي (١) :
" ... وإذا أرى الرجل الرجل السلعة، فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل. فالشراء جائز والذي قال أربحك فيها بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعًا وإن شاء تركه. وهكذا أن قال اشتر لي متاعًا ووصفه له , أو متاعًا أي متاع شئت: وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت، إن كان قال ابتعه وأشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الأول ويكونان بالخيار في البيع الآخر فإن جدداه جاز. وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين – أحدهما أنه تبايعاه قبل (أن) يملكه البائع والثاني أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا ".
فالواضح هنا من كلام الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – أن المبادرة في الطلب تتم من الراغب في شراء السلعة وأنه يرى الطرف الثاني السلعة ويطلب منه أن يشتريها على أساس أنه يعد بشرائها منه بالثمن المدفوع في السلعة زائد الربح المتفق عليه من الابتداء.
فهذه العملية هي عملية مركبة من وعد بالشراء من طرف الآمر وبيع المرابحة من طرف المأمور وهذا هو الوجه الذي رآه فضيلة الأستاذ الشيخ محمد فرج السنهوري – رحمه الله تعالى – عند عرض المسألة عليه في مقابلة شخصية بمنزلة بالمعادي بتاريخ ٩ / ٨ / ١٩٧٥.
وإذا كانت المرابحة قد بحثت في معظم المؤلفات الفقهية عند مختلف المذاهب الإسلامية فإن هذه المرابحة ليست إلا بيعًا مبنيًّا على بيان رأس المال ومقدار الربح.
وأما الأمر الذي تفرد به الإمام الشافعي في الصورة المذكورة في كتاب الأم فإنه يتمثل في انتقال المبادرة من المورد للسلعة إلى الراغب في الشراء الذي يطلب من الطرف الآخر أن يشتري سلعة معينة بالذات أو موصوفة بمواصفات محددة.
(١) الإمام الشافعي، كتاب الأم، الطبعة الأولى، تصحيح محمد زهدي النجار – (القاهرة مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٦١) ، صفحة ٣٩