قد يقول قائل إن السوق موجود والسلعة تباع لغيره. وهذا صحيح في المثليات العامة ولكن ما هو الموقف في الطلبات المخصصة مثل آلة الأشعة للطبيب المختص أو محرك السيارة الخاصة لنوع ميعن أو إطارات طائرات البوينج؟
وكما قد يحدث الضرر للمأمور إذا قلنا بحق العدول للآمر، فإن الضرر قد يحدث لهذا الأخير إذا عدل المأمور عن بيع ما يكون الأمر قد طلب منه شراءه.
فلو أن مقاولا ملتزما بتوريد أجهزة مخبرية لمستشقى الجامعة مثلا، وجاء يطلب من المصرف الإسلامي شراء هذه الأجهزة على أساس المواعدة بالمبايعة مرابحة، ثم خطر للمصرف الإسلامي أن يعدل عن البيع استعمالًا لحقه المزعوم بعدم الإلزام، فإن المقاول يتعرض للتغريم ونزول سمعته بل ودرجته.
فأي ضرر أعظم من هذا الضرر؟ وهل يستطيع العالم المسلم وهو يتحسس حقيقة مصالح الناس التي جاءت الشريعة لحفظها أن يتجاهل هذه الأمور لكي يتمسك بمقولة أن الوفاء بالوعد هو من مكارم الأخلاق وأن تنفيذ الوعد ملزم ديانة وليس ملزمًا بالقضاء؟ ...
إن مكارم الأخلاق هي مرحلة متقدمة جدًا في الرقي الاجتماعي ولكن عندما تصل المسألة إلى انفتاح أبواب الضرر والإضرار فإن ولي الأمر يتدخل لحفظ مصالح الناس، ومن هنا وجد ميدان العقوبات التعزيزية مجاله الخصيب حيث يستطيع الراعي لشؤون الرعية أن يحدث للناس من الأقضية بقدر ما يحدثون من الفجور.
والرأي الذي نراه فيما يتعلق بمسألة المواعدة هو اختيار أحد المرتكزات التالية:
١- النظر إلى أن الأمر المطلوب ديانة يمكن أن يصبح ملزمًا قضاء إذا أمر ولي الأمر بذلك تحقيقا لمصلحة عامة يتعلق بها استقرار المعاملات وذلك على النحو الذي اتجه إليه التقنين الأردني في القانون المدني.
فلا يظن أن هناك مخالفة شرعية عندما يختار ولي الأمر الانتقال بالمسألة الواجبة الوفاء ديانة بالاتفاق ليجعلها واجبة الوفاء بالقضاء وذلك لأن أمر ولي الأمر واجب الطاعة ما لم يأمر بمعصية وليست هناك معصية في إكساء صفة الإلزام على المواعدة فيما هو جائز شرعا.