هذا إذا تعلق البيع بالسلعة كلها، فإذا تعلق بجزء منها فهو " الإشراك "، أي البيع تولية بنسبة الجزء إلى الكل. فيصير المشتري شريك ملك للبائع، كل بحسب حصته من السلعة.
على أن الإشراك في نظري، لا ينحصر في التولية، بل يمكن أن يكون في المرابحة، فيبيعه مثلا نصف السلعة بنصف الثمن الأول وربح معلوم، أو يكون في الوضيعة، فيبيعه نصف السلعة بنصف الثمن الأول مع وضع مبلغ معلوم.
وجمهور الفقهاء على جواز المرابحة، ولكن روي عن بعض العلماء أنها باطلة (المحلى لابن حزم ٩/٦٢٥- ٦٢٦) ، وروي عن ابن عباس أنه نهى عنها، وفي بعض الكتب أنه كره بيع المشافة (مصنف ابن أبي شيبة ٧/٤٨ و٨/٤٢) . كما روي هذا النهي عن عكرمة وإسحاق، والكراهة عن الحسن ومسروق، والجواز عن ابن مسعود وابن المسيب وشريح وابن سيرين (مغني المحتاج ٢/٧٧) . وروي عن آخرين أن المساومة أفضل من المرابحة (المغني ٤/١٠٨، والخرشي على خليل ٥/١٧٢) .
وإني أميل إلى جوازها إذا كان الثمن الأول معلوما، والربح معلوما، ولم تكن هناك خيانة أو شبهة خيانة في بيان الثمن الأول. وهذا الربح يكون في مقابل خبرته وجهده ووقته ومخاطرته.
ولعل سبب كراهتها لدى ابن عباس أن البائع مرابحة يبيع السلعة بزيادة ربح مضمون، فيصير هذا الربح أشبه بالربا، لأنه دفع الثمن الأول مثلا ١٠٠، وقبض الثمن الثاني ١٢٠، والسلعة دخلت ثم خرجت. قد يؤيد هذا أن المشافة من الشف وهو الزيادة كما بينا سابقا. وفي أحاديث الربا ورد قوله صلى الله عليه وسلم:((لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض..)) (البخاري في البيوع، ومسلم في المساقاة وغيرهما) .