ولكن هذا التأويل غير صحيح، لأن الذي اشترى السلعة لم يكن يعلم أنه سيبيعها مرابحة، فربما باعها تولية أو محاطة أو مساومة.. إلخ وربما تكون الصورة التي نهى عنها ابن عباس أو كرهها هي أن يشتري لك سلعة بالنقد ويبيعها إليه بالأجل، ويكون توسطه بشراء السلعة لا معنى له إلا أنه أقرضه المال بربا وقد ورد في بعض الكتب أن المرابحة ربا (مصنف ابن أبي شيبة ٦/٤٣٦، والمحلى ٩/١٤) ، أو " المرابحة بيع الأعاجم"(ده دوازده)(مصنف ابن أبي شيبة ٦/٤٣٤ و٧/٢٥٣) .
أما تفضيل المساومة على المرابحة لدى بعض الفقهاء، فسببه أن البائع مرابحة يأتمنه المشتري على الثمن الأول، وقد لا يخلو تحديد الثمن الأول من غلط أو تأويل أو هوى. فقد يضيف البائع إلى الثمن الأول ما ليس منه، كأن يشتري السلعة بأكثر من ثمنها، أو لا يبين الأجل ولا مقداره إذا اشتراها بثمن مؤجل، وللأجل حصة من الثمن، أو يدخل أجرة نقل أو إصلاح لنفسه أو لغيره، والحال أن هذا الغير متطوع لم يقبض منه شيئا، أو يحتسب مصاريف إصلاحها أو مداواتها (إذا كان المبيع حيوانا مثلا) ، أو يكتم أنه مضى زمن على شرائها وانتفاعه بها (إذا كان المبيع مسكنا مثلا أو آلة) .
لكن لا بأس بإضافة مصاريف الخياطة والصباغة والتطريز والقصر، ومصاريف النقل والتخزين، وسائر ما يزيد في قيمة المبيع، وجرى العرف بإضافته إلى الثمن. فإذا أشتبه بالمصروف: هل تجب إضافته أم لا؟ بين ذلك.. إلخ ما هو معروف في مظانه من كتب الفقه القديم على المذاهب المختلفة.
وتفصيل هذه المصاريف قليل الأهمية في بيع المرابحة المطبق في المصارف الإسلامية، لأن المصاريف كلها تدخل في الثمن الأول لدى هذه المصارف، ولا يقوم المصرف بإدخال أي إضافة على السلعة من تصنيع أو خياطة أو صبغ ... إلخ. لكن قد يكون من المهم معرفة ما إذا كان على المصرف تفصيلها، أو يكتفي بإجمالها دون تفصيل. وأميل إلى تفصيلها ولا سيما إذا طلبه المشتري، فهو أدعى للثقة وأنفى للتهمة وأبرأ للذمة.
وعندي أن بيان البائع للثمن الأول يمكن أن يكون مؤيدا بالفواتير والوثائق، وهذا أبعد عن الغلط وسوء الظن، ما لم تكن هذه الوثائق مزورة أو محورة.