للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ – ثانيا: استدلال بعض الفقهاء بحديث: لا تبع ما ليس عندك، ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مسألتنا مناط البحث واضح: وهو أن البنك أو المصرف عندما يعد العميل ببيع السلعة لا يكون البنك أو المصرف قد ملك تلك السلعة، وبالتالي فإن هذا البيع لا يجوز استنادًا إلى نص الحديث. ولكن هذا الاستدلال من وجهة نظري غير دقيق للأسباب التالية.

١ – أولا: أن قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تبع ما ليس عندك)) يحتمل أن النهي منصب على تحريم بيع الإنسان لأخيه شيئًا لا يقدر على تسليمه للمشتري وقت العقد؛ لأن هذا النوع من البيع نوع من بيوع الغرر التي نهى الشارع عنها، ومن الأمور التي لا يستطيع البائع تسليمها وقت العقد كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء ومن باب أولى يشمل النهي بيع الفضولي ما ليس يملكه وإن كان بعض الفقهاء قد أجازوه إذا أجازه من يملك عين المبيع بالشروط المعتبرة، كما يحتمل أن ينصب النهي على كل بيع لا يستطيع البائع تسليمه للمشتري وقت إبرام العقد وإن كان يملكه، هذا من ناحية وجه الاستدلال بهذا الحديث على مسألتنا فالحديث بهذا الاحتمال تصبح دلالته ظنية أي غير قائمة الحجة على المخالف؛ لأنها غير قطعية الدلالة على محل الخلاف، أما من ناحية أصولية فإن الحديث يشتمل على عموم وخصوص مطلق يجتمعان في النهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده، وينفرد الجواز في بيع الإنسان ما يملكه مما هو قادر على تسليمه؛ لأنه يسمى عرفًا عنده وإن كان غير قادر على تسليمه وقت العقد إذا أخبر المشتري بذلك وهذا ما جرى عليه عرف المسلمين في معاملاتهم.

وبالنظر إلى مناط الاستدلال بهذا الحديث على مسألتنا نجد وجه الاستدلال غير دقيق؛ لأن هذه المسألة مركبة من طرفين أو جزأين من وعد بالشراء من جانب العميل طرف، وبيع بالمرابحة من جانب البنك أو المصرف وبالتالي فهي ليست من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده، فجهة النهي منفكة؛ لأن البنك لا يبيع شيئا ابتداء وإنما يتلقى أمرا بالشراء وبالتالي فهو لا يبيع حتى يملك ما هو مطلوب منه وطبقًا للمواصفات الدقيقة التي يحددها الآمر بالشراء، فإذا جاءت السلعة على خلاف الشروط والمواصفات الدقيقة فإن المشتري بالخيار إن شاء عقد الصفقة وأبرم العقد، وإن شاء فسخ البيع باتفاق المذاهب الفقهية، وليس في هذا النوع من البيع شيء من الغرر المحتمل وجوده في حديث: لا تبع ما ليس عندك، كما تقدمت الإشارة، ومعلوم عند علماء سلف الأمة وخلفها بأن نصوص الكتاب والسنة الخاصة بالمعاملات معللة ومعقولة المعنى وخاضعة للحكمة والمصلحة التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، ومن هذا المنطلق كانت المذاهب الفقهية وزخرت المكتبات بإنتاج العقول المتفقهة في كنوز الكتاب والسنة. وهذه هي مهمة المجمع الذي بدأ بخطى ثابتة ومباركة مما جعله الآن موضع اهتمام أمتنا الإسلامية التي تأمل من علمائها وفقهائها الأجلاء مساندتها ومساعدتها على جمع كلمتها في الرأي خاصة في هذا الظرف الذي نجد فيه أمتنا الإسلامية مستهدفة من الطامعين في خيراتها وموقعها والذين ما برحوا يخططون لزرع الفتن بين أبنائها.

<<  <  ج: ص:  >  >>