٣ – عن حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه قال:((قلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق. فقال: لا تبع ما ليس عندك)) ، رواه الخمسة، هذه هي النصوص الثابتة بالسنة ومكان الدليل منها على المسألة عند القائلين به هو قوله عليه الصلاة والسلام:((لا تبع ما ليس عندك)) ، وقد سبق في المبحث الثاني مناقشتي لوجه الدلالة، ووجهة نظر المستدلين بها. وقصدت بجمع نصوص الحديث وكان بالإمكان الاكتفاء بحديث حكيم بن حزام لولا أن الإمام محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنه قال في سنده عند شرحه للحديث: ما يلي " الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن حيكم، انتهى. وفي بعض طرقه عبد الله بن عصمة زعم عبد الحق أنه ضعيف جدا، قال: والكلام للشوكاني:ولم يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه مجهول. قال الحافظ وهو جرح مردود فقد روى عنه ذلك ثلاثة كما في التلخيص وقد احتج به النسائي، وفي الباب عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند أبي داود والترمذي، وصححه النسائي وابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((:لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا في ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) قال الإمام الشوكاني: قوله: " ما ليس عندك "، أي ما ليس في ملكك وقدرتك. ثم قال: والظاهر أنه يصدق على العبد المغصوب الذي لا يقدر على انتزاعه ممن هو في يده، وعلى الآبق الذي لا يعرف مكانه، والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه، ويدل على ذلك معنى عند لغة، قال الرضى: إنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدا، انتهى. فيخرج عن هذا ما كان غائبًا خارجا عن الملك أو داخلًا فيه خارجًا عن الحوزة. وظاهره أنه يقال لما كان حاضرا وإن كان خارجا عن الملك فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم ((لا تبع ما ليس عندك)) أي ما ليس حاضرا عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك. قال البغوي: النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها، أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه فلو باع شيئا موصوفا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز، وإن لم يكن المبيع موجودا في ملكه حالة العقد كالسلم. قال: وفي المعنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله، فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلًا لم يصح عند الأكثر إلا النحل، فإن الأصح فيه الصحة كما قاله النووي في زيادات الروضة وظاهر النهي تحريم بيع ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلا تحت مقدرته. وقد استثنى من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم.
وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض، هذه خلاصة وجهة نظر الإمام الشوكاني ومن نقل عنهم، نجد فيها الاحتمالات التي أشرنا إلى بعضها في المبحث الثاني من هذا البحث. ولكنا نجد الإمام النووي يصرح بجواز البيع إذا كان البيع في ذمة المشتري إذ هو - أي المبيع - كالحاضر المقبوض، انتهى.