للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا أمعنا النظر في حديث حكيم بن حزام وفي استفتائه للنبي عليه الصلاة والسلام بهذه الصيغة: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه، ثم أبتاعه من السوق، إن المعنى المتبادر إلى الذهن من منطوق الحديث أن الرجل طالب السلعة يأتي إلى حكيم ليأخذ منه سلعة في الحال، فيتفقان على الثمن دون علم المشتري أن السلعة التي أبرم بشأنها العقد غير موجودة عند حكيم، ثم يذهب حكيم خلسة إلى السوق فيبحث عن السلعة التي عقد بشأنها العقد مع المشتري فيأخذها من السوق فيأتي بها ليسلمها إلى المشتري. فكانت فتوى هذا السؤال: لا تبع ما ليس عندك، لما في ذلك من الغرر والمخاطرة.

أما الغرر فلما فيه من إيهام المشتري بأن السلعة المطلوبة موجودة لدى البائع وقت إبرام العقد حيث لم يقل حكيم: إنه ليأتيني الرجل فيسألني عن البيع، فأقول له السلعة المطلوبة ليست عندي ولكني أعدك بعد إبرام العقد بالذهاب إلى السوق، وأخذها وأعرضها لك وتسليمك إياها حسب المواصفات المتفق عليها في صيغة العقد. فلو كان السؤال على هذا الوجه الذي يحاول المستدل على تحريم نوع البيع في مسألتنا هذه لربما كانت الفتوى بقوله عليه الصلاة والسلام ((لا تبع ما ليس عندك)) على خلاف ما هي عليه.

فوجه الدلالة في الحديث افتراضية على خلاف منطوق الحديث ومفهومه وسببه. وأما المخاطرة فلربما ذهب إلى السوق فلم يجد السلعة المباعة مما يثير الخلاف والمنازعة بين البائع ما ليس عنده والمشتري. . . إلخ.. وربما كانت حاجة المشتري إلى السلعة لا تحتمل التأخير إما لحاجته إليها في الحال وإما لنفاذها من السوق بسبب إيهام المشتري بأن السلعة المطلوبة بحوزة البائع مما يجعل المشتري يطمئن إلى محادثة البائع المدلس وضياع جزء من الوقت كان بإمكان المشتري طالب السلعة الحصول عليها بيسر وسهولة لو أن البائع المدلس قال لطالب السلعة: السلعة المطلوبة لا توجد الآن عندي فإن أحببت أحضرتها لك عند الحصول عليها، وإن كنت تريدها الآن فبإمكانك الذِّهَاب إلى السوق أو إلى التاجر الفلاني وهذا من باب النصيحة.

٢ – الدليل الثاني من أدلة الخلاف يتعلق بالعميل: أي الوفاء بالوعد بمعنى هل الوفاء بالوعد من جانب العميل يأخذ السلعة عند إحضارها من قبل البنك أو المصرف ملزم أو غير ملزم. ومما زاد الخلاف في المسألة: صيغ الوفاء بالوعد من الكتاب والسنة مختلفة حسب اختلاف الآثار المترتبة عليها فليست كلها تحمل على الوجوب، وليست كلها تحمل على الندب والاستحباب. مما حدا ببعض الفقهاء إلى التفريق بين الوفاء بالوعود التي يترتب على عدم الوفاء بها إضرار للطرف الآخر فجعلوا الوفاء بها واجب وملزم مثل أن يقول فلان من الناس لآخر: اهدم دارك هذه وابن مكانها أخرى وأنا أسلفك ما تحتاج إليه من تكاليف بناء للدار. فيقوم صاحب الدار بهدمها، فإن الوفاء بالوعد ملزم؛ لأن الواعد أدخل الموعود في ورطة، وعلى ذلك فقس مثل قول الواعد لآخر: تزوج وأنا أسلفك تكاليف الزواج، ونحو ذلك، فقالوا: بلزوم كل وعد أدخل الموعود في ضرر من جراء تسبب عدم وفاء الواعد بوعده كما ذهب فريق من الفقهاء إلى الإلزام بالوفاء بالوعد مطلقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>