للعينة صورة مشهورة وقع فيها خلاف بين الجمهور القائلين بحرمتها أو كراهتها تحريما وبين الشافعية القائلين بجواز العقد نظرا إلى اكتمال مقوماته وطرح ما التبس به من نية، وهذه الصورة هي أن يشتري شخص سلعة من مالكها بالأجل، ثم يبيعها إليه نقدا، وهناك صورة أخرى بكون الرغبة للحصول على المال لدى مالك السلعة نفسها حيث يبيع سلعته نقدا إلى شخص، ثم يشتريها منه بالأجل، وهاتان الصورتان لم تتبدل فيهما عين السلعة وعين العاقدين (البائع والمشتري) وهي تتخذ حيلة للاقتراض بفضل خال عن عوض وليس تمليك السلعة مرادا في الصورتين، بل المراد تحصيل السيولة لكن تحت اسم المبايعة.
ولا يخفى أنه لا علاقة حقيقة بين أسلوب المرابحة وبين العينة في تحقيق ما يراد من العينة من السلف الذي يجر نفعا دون أن يكون لأحد العاقدين غرض في تملك أو تمليك السلعة؛ لأن هناك سلعة لم تكن لدى كلا المتعاملين بأسلوب المرابحة، بل كانت لدى طرف ثالث (المصدر) وتم تملكها لأحدهما (المصرف) ، ثم بيعها بالأجل للمتعامل الآخر (الواعد بالشراء) ولم يقم المصرف بشرائها ثانية من الوعد بالشراء كما هو الحال في العينة حيث يكون الغرض الحصول على (العين) أي النقد، وليس الحصول على السلعة: ومن هنا جاءت تسمية هذه المعاملة قال الفيومي في المصباح المنير: " قيل لهذا البيع عينة؛ لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا، وذلك حرام إذا اشترط المشتري على البائع أن يشتريها منه بثمن معلوم، فإن لم يكن بينهما شرط فأجازها الشافعي لوقوع العقد سليما من المفسدات، ومنعها بعض المتقدمين وكان يقول: هي أخت للربا.
والربط بين الاشتراط وبين الحرمة هو مذهب الشافعية خلافا للجمهور الذين لم يعلقوا الحرمة على هذا الاشتراط الملفوظ أو الملحوظ. فلو باعها المشتري من غير بائعها في المجلس فهي عينة أيضا لكنها جائزة بالاتفاق "، وهذا الصورة الأخيرة تسمى (التورق) " وهو الحصول على الورق، أي الفضة فهو بمعنى (العينة) التي هي الحصول على العين، أي النقد الحاضر من ذهب أو فضة.
ويبدو للمتأمل في مذهب المالكية أنهم اتجهوا وجهة مغايرة كل المغايرة لما أخذ به الشافعية من ربط الحرمة باشتراط الصفقة الثانية التي تعود بها السلعة إلى مالكها الأول، فالمالكية منعوا كثيرا من صور البيع على سبيل الحرمة أو الكراهة أو التورع لوجود الغرض المشابه لبيع العينة على تقدير أنه من الممكن اتخاذ صور من البيع ذريعة للربا، وسموها عِينة، وما أجازوها منه غيروا آثاره ونتائجه لإجراء تغيير في تكوينها مع أنها لا يقع فيها عود السلعة إلى مالكها الأول، ولكن لمجرد قابلية المجال لسلوك سبل أخرى كالقرض، فإذا لم يتم القرض وتم ما يغني عنه مع ترتب زيادة على أحدهما فهي من الذريعة للربا، وهم قد توسعوا في الذرائع.