للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- النظام المصرفي التقليدي وسلوك الأفراد:

٢-١- كان تطور النظام المصرفي التقليدي مواكبًا لتطور الحضارة الغربية الحديثة، والتي كان من أهم إفرازاتها فصل الدين عن الحياة اليومية للأفراد في المجتمعات المسيحية، ودون أن نخوض في بحوث لاهوتية لسنا مؤهلين لها، نقرر أن الدين المسيحي يحرم الربا، ولكننا نجد أن البيئة الحضارية الحديثة أوجدت مناخًا مناسبًا لتطوير العمل المصرفي القائم على نظام الفائدة دون أن يجد مقاومة دينية تمنع تطوره.

٢-٢- ونظرًا لقيام البنوك بدفع الفوائد على الأموال مع تعهدها برد المال والفوائد المستحقة عليه إلى صاحبه فقد أدى هذا الوضع إلى تباطؤ همم أصحاب الأموال عن استثمار أموالهم بأنفسهم بما في ذلك من مخاطر وقبول الأسلوب الهين وهو الإيداع لدى البنوك مقابل الفوائد. ولنفس السبب، أي ضمان البنك لأموال المودع مع ما يترتب عليه من فوائد فقد تعسفت البنوك في اقتضاء ديونها من المدينين دون نظر إلى الحالة المادية للمدين أو حال المشروع الذي أخذ من أجله المال أو الظروف الاقتصادية السائدة، بل إن مبدأ القرض بفائدة كثيرا ما كان أهم أسباب تردي الحالة المادية للمدين. وما وَضْعُ دولِ العالمِ الثالث المدينة بخاف عنا إذ أن فوائد خدمة الدين كثيرًا ما زادت عن موارد بعض الدول المدينة. وهكذا تراجعت المعايير الأخلاقية في التعامل المالي وقلد التجار والأفراد البنوك فيما ذهبت إليه، وأصبح الطلاق بائنًا بين المال وبين الهدف الذي صرف من أجله، وأصبح تأجير الأموال هو القاعدة، كما أصبح الفرد في سلوكه يجمع المال من أجل المال وتطور الأمر ليصبح عادة اجتماعية.

٢-٣- ولتشجيع أصحاب الأموال على الاحتفاظ بأموالهم لدى البنوك فقد أصبحت البنوك تدفع لهم الفوائد على فترات زمنية قصيرة جدًّا ربما وصلت إلى ليلة واحدة “OVERNIGHT” ومن الطبيعي أن يكون أجل الودائع مساويًا للفترة التي تدفع عنها الفوائد. وكانت النتيجة أن تغيرت عادات المودع من استثمار أمواله في مشروعات طويلة الأجل إلى استثمارها في ودائع ذات أجل قصير جدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>