فلما ظهر نفع هذا الترتيب التعاونى، الناس أقبلت عليه ثم شمل أخطارا متنوعة كثيرة لما ظهر من فائدته والمصلحة فيه. فلما كثرت الأعداد الكبيرة الراغبة في التأمين أصبح لا يمكن أن يديره أشخاص مع أعمالهم كأهل سوق معينة، بل لابد له من إدارة متفرغة تنصرف إليه كما ينصرف التاجر إلى تجارته فيسهر عليها صباح مساء ويتابعها ويريح منها ويعيش. فلابد من جهاز إداري أصبح ينظم عمليات التأمين الواسعة التى أصبحت تتناول الآلاف المؤلفة وأحيانا الملايين من الناس وفى مختلف الأنواع من الأخطار. هذا إذا حصل ووجدت هيئة متفرغة فلابد لها أن تعيش من هذا العمل كما يعيش التاجر من تجارته وكيف تعيش؟ عندئذ ظهر ما يسمى الحساب قوانين الأعداد الكبيرة التى تبنى على الإحصاء، الإحصاء الذى هو إحصاء الأعداد الكبيرة وهو معروف في عالم الرياضيات وهذا القانون، قانون الأعداد الكبيرة يعطى نتائج ثابتة تقريبا إلا الكوارث الطارئة كالزلازل والفيضانات.. الخ، وإنما يعطى نسبة ثابتة في الأخطار في كل أنواع الأخطار، لأنه كلما كثر العدد الكبير من الداخلين تحت الخطر عنئذ تنضبط نسبة الخطر فيهن وهذا شى، قانون رياضى، يعنى ليس عائدا إلى التقويم والتقدير، وبناء عليه يستخدمون قانون الاعداد الكبيرة ليضبطوا ويحصوا الأخطار في كل نوع، وبناء على ذلك يحسبون تكاليف ما سيلحقهم من تعويضات ويضعون أقساطا تتناسب مع هذه التكاليف، وزيادة، هذه الزيادة هى ما يربحونه كما يربح كل تاجر من تجارته ربحا مشروعا. بينت أن الشريعة الإسلامية لا تمانع في أن يكون لكل من يتفرغ لعمل نافع أن يعيش منه وأن يربح منه، هذا شيء طبيعي ولذلك شركات التأمين لا تبدل طبيعة التأمين من تعاونى إلى تجاري، التأمين يبقى تعاونيا في جميع الأحوال ولكن الفرق بين ما يسمونه تجاريا أن الهيئة المتفرغة والتى تربح من فرق الأقساط بين ما تأخذ وبين ما تدفع من تعويضات، هذا الربح يريدون أن يسموه التأمين به تأمينا تجاريا، وهو تعاونى، نفس الشيء، وضربت أمثلة بالضمان الاجتماعى والتأمينات التى تحصل للموظفين والحكومة، ومنها تأمينات على الحياة وكلها مقبولة لدى المعارضين أنفسهم، فما الفرق بينهما؟ وانتهيت إلى أن هذا التأمين لا يوجد في الشرع ما يمنعه وعالجت بشكل خاص شبهة الغرر وهى من أهم وأقوى الشبهات لدى الذين يعارضون وبينت أن هذا الغرر نقلت آراء الفقهاء من مختلف المذاهب فيه وبينت كيف أن الغرر يغتفر بأقوال فحول علمائنا الأقدمين يغتفر حتى الفاحش منه إذا كان فيه مصلحة تقتضيها الحاجة، ونقلت كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في هذا الموضوع وفيه كلام شبه حاسم، كل هذا بينته بما يدحض فكرة الغرر وأنها هذه تجعله عملا محرما، وبينت كيف أن كبار الفقهاء اغتفروا الغرر الفاحش وعللوه بأنه للمصلحة والحاجة، والأمثلة كثيرة في الكتاب. وهذا خلاصة ما أراه ولا أزال على هذا الرأى، ولإخواننا الكرام أن يناقشوه، ومتى جاء الكتاب الذى أمر فضيلة الأستاذ الأمين العام، متى وصل مع أن دار النشر تقول إنها شحنته منذ شهر تقريبا وعندها الإيصال وكيف لم يصل؟ لا أدرى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.