والذي يظهر من استعراض آراء من قالوا بالكراهة في بيان الربح بطريق النسبة إلى رأس المال هو الظن بوجود الجهالة في الثمن، وهذا الظن ليس واردًا طالما أن الأمر معلوم أو يمكن العلم به بنتيجة الحساب، لذلك فقد انتهى أبو محمد من تحرير المسألة بالقول بأن الكراهة المروية عن ابن عمر وابن عباس إنما هي كراهة تنزيه وإن البيع صحيح.
وإن من يتفحص حقيقة هذا البيع المبني على الأمانة في بيان رأس المال أو إعلان حقيقة تكلفة المبيع بما قام به على البائع يجد أن البيع بهذه الصورة يكون من أشرف البيوع لأنه يمسح من نفس الشاري أي تشكك قد يراوده من ناحية الثمن الذي يدفعه.
٢- الصورة المستحدثة في بيع المرابحة للآمر بالشراء:
يختلف بيع لمرابحة الذي تتعامل به المصارف الإسلامية عن صورة المرابحة المعروفة عمومًا والمبحوثة في المؤلفات الفقهية لمختلف المذاهب الفقهية المعتبرة. فالمرابحة عند الفقهاء هي نوع من التجارة يكشف فيها التاجر البائع للمشتري رأسماله في السلعة الموجودة بحوزته وذلك بحسب ما اشتراها أو بما قامت عليه، ثم يضيف ربًحا مبينًا ومعلومًا ويقول أبيعها لك برأسمالي فيها وهو كذا وربحي فيها كذا أما بيع المرابحة الذي تتعامل به المصارف الإسلامية فيبدأ من عند صاحب الحاجة الذي يأتي إلى المصرف ليطلب شراء سلعة معينة ليست موجودة بحوزة المصرف وذلك على أساس أن الطالب يعد بأن يشتري السلعة التي يطلبها من المصرف بما تقوم عليه من تكلفة زائدًا الربح الذي يتفق عليه معه.
وهذه هي الصورة المستحدثة لهذا التعامل المركب من وعد وبيع، فما هو أصل هذه الصورة وما هو سندها من الفقه وما مدى احتياج الناس والمصارف الإسلامية إلى تطبيقها في الحياة المعاصرة؟
أساس ظهور الصورة في الفقه الإسلامي:
ليس لهذا العنوان بالشكل الذي أصبح معروفًا بيع المرابحة للآمر بالشراء وجود في المؤلفات الفقهية القديمة حيث لم تكن هذه الصورة معروفة أساسًا في التعامل قبل عام ١٩٧٦ عندما اكتشف الباحث –ولأول مرة- وجود الأساس الفقهي لهذه الصورة المركبة من مواعدة وبيع، (١) وقد جاء هذا الاكتشاف من خلال البحث العلمي الذي كان يعده الباحث لنيل درجة الدكتوراه في موضوع –تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية وهي الرسالة التي جرت مناقشتها في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في ٣٠/٦/١٩٧٦.
(١) كان هذا هو الرأي الذي انتهى إليه فضيلة الأستاذ الشيخ محمد فرج السنهوري (رحمه الله تعالى) والذي كان أستاذ مادة الفقه المقارن للدراسات العليا بقسم الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة. وقد كان الأستاذ المرحوم مهتمًا اهتمامًا شخصيًا بموضوع الرسالة التي كان يعدها الباحث بعد أن درس على يديه دبلوم الشريعة الإسلامية وكان الأستاذ المشرف على الرسالة (فضيلة الشيخ زكريا البري رئيس قسم الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة) يطمئن إلى رأي الشيخ السنهوري الذي كان أستاذًا للأستاذ المشرف على الرسالة