الحالة الثالثة: وبعض المصارف الإسلامية وهي ليست قليلة استحدثت إلزام المدين المماطل دفع تعويض عن الضرر الذي ألحقه بالمصرف نتيجة مماطلته، وحجز المال عن الاستثمار وتحقيق الربح، ولعل هذا الموضوع يحتاج إلى وقفة، نبين فيها وجهة نظر القائلين بهذا الرأي، المدافعين عنه، وأثر هذا في التطبيق العملي، ورأى المجيزون أن الغني المماطل أوقع الضرر بالمصرف، فلولا مماطلته لضم هذا المال لباقي الأموال المستثمرة ويمكن أن يقدر الضرر بمقدار الربح الذي حققه المصرف فعلًا في مدة المماطلة، ولذلك أجازوا للمصرف أخذ تعويض بمقدار نسبة الربح التي كان يمكن أن يحققها دين المماطل لو استثمره المصرف، فمتى تبين المصرف الإسلامي أن المدين المماطل مليء غني أضاف إلى دينه نسبة تعادل النسبة التي حققها خلال مدة بقاء الدين في ذمته.
وقد ناقشت بعض هؤلاء المجيزين، ووجدتهم يستدلون بثلاثة أحاديث شريفة، وبالمصلحة المرسلة التي يرون أنها تتفق مع مقاصد التشريع الإسلامي، والأحاديث الثلاثة هي:
١- ((مطل الغني ظلم))
٢- ((لي الواجد يحل عروضه وعقوبته))
٣- ((لا ضرر ولا ضرار))
والأحاديث صحيحة منها ما هو متفق عليه الحديث الأول متفق عليه والحديث الثاني ذكره السيوطي وأشار إلى رواته وهم أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم ورمز للحديث بالصحة والثالث معروف، والحديثان الأول والثاني ظاهران في ظلم الغني المماطل، واستحقاقه للعقاب، وهما مما يحتج به، والعقوبة هنا تعزيرية، وذهب الجمهور إلى أن العقوبة هنا هي الحبس، وإن جاز في التعزير غيره كالضرب والتوبيخ، ومادام الهدف من العقوبة التعزيرية الردع والزجر وأداء الحقوق، وليس في العقوبة هنا حد مقرر، فالأمر إذن فيه متسع أمام القاضي أو ولي الأمر، فقد يرى في التوبيخ الكفاية، وقد يرى ضرورة الضرب مع الحبس، والأمر لا يستدعي كبير خلاف مادام الحكم يصدر من عادل غير محكم للهوى والتشهي، والحديث الثالث ينهى عن الضرر، ومن القواعد التشريعية المعروفة أن الضرر يزال، والمصرف لحقه ضرر فيجب أن يزال.