ومن المعروف أن الدائن ليس له إلا دينه، سواء أأخذه وقت استحقاقه أم بعد مدة المطل، وما أجاز أحد من الفقهاء أن يدفع المدين قدرًا زائدًا عن الدين كعقوبة تعزيرية، ولو قيل: يدفع مقابل الزمن، فهذا هو عين الربا: قال المجيزون ردًا على هذا: إن المصلحة تقتضي منع المماطل من استغلال أموال المسلمين ظلمًا وعدوانًا، وإذا كانت الفائدة الربوية تمنع المطل مع البنوك الربوية، فإن الإسلام لا يعجز عن أن يوجد حلًا لمشكلة المطل التي تعاني منها المصارف الإسلامية، وإذا كان الفقهاء السابقون رأوا أن تكون العقوبة الحبس، وهذا غير مطبق الآن، فعلى فقهاء العصر أن يجتهدوا لإيجاد حل، ثم أضافوا: والقدر الذي نرى أن يتحمله المماطل هو ما يقابل الربح الفعلي للمصرف، فهذا ليس من باب الربا، ولكنه من باب منع الضرر الذي يلحق بالمصرف وربما كان من الصعب –تعقيبًا على قول هؤلاء ربما كان من الصعب- التفرقة بين ما ذهب إليه هؤلاء وبين الربا، ويبقى هنا كذلك أن نسأل: ما الهدف من العقوبة التعزيرية؟ ومن الذي يحدد هذه العقوبة؟ ومن الذي يأمر بإيقاعها؟ أو يقوم بتنفيذها؟ أفيمكن أن يكون شيء من هذا للمصرف؟ لو جاز أن يكون للمصرف استحداث عقوبة تعزيرية يوقعها بالعميل وهي تشبه بالربا، إن لم تكون هي الربا، بعينه، فمن باب أولى أن يكون له الحق في العقوبة التعزيرية المقررة كالحبس أو الضرب. .
ونأتي إلى الجانب التطبيقي لنرى هل تحقق الهدف من هذه العقوبة؟ بعض المصارف رأت أن المتعاملين معها الذين لا يؤدون الأقساط في مواعيدها بلغوا من الكثرة حدًا يصعب معه النظر في كل حاجة، والتفرقة بين مطل الغني وعجز الفقير، كما توجد عوامل أخرى تزيد الأمر صعوبة، ولذلك عند تأخير أي مدين –وهذا أمر وقع في أكثر من مصرف- ولذلك عند تأخر أي مدين عن الأداء يضاف على دينه ما يقابل الربح الذي يعلنه المصرف في حينه، ولا يستطيع أي أحد أن يفرق بين هذا وبين الربا المحرم، وقد يقال أن هذا خطأ في التطبيق لا في الفتوى، ولكن على المفتي أن ينظر إلى ما يمكن تطبيقه، وبعض المصارف الأخرى تمسكت بنص الفتوى، فكانت ترسل للعميل أولًا حتى تتأكد من المطل قبل إنزال العقوبة.
ويلاحظ هنا أن الأرباح التي تحققها المصارف الإسلامية أقل من الفوائد الربوية في أوقات كثيرة، فالذين يستحلون هذه الفوائد استمروا في مطلهم غير عابئين بما يضيفه المصرف الإسلامي، وبذلك تحولت العقوبة التعزيرية إلى زيادة ترتبط بربح المصرف والزمن، ورضي بهذا الطرفان، فهل تحقق الهدف من العقوبة التعزيرية أم تحولت العقوبة إلى نوع جديد من الربا؟
ويبقى هنا أيضًا أن نسأل: إذا لم يكن هذا التصرف مشروعًا –وأظنه غير مشروع- فهل نجد عند مجمعكم الموقر حلًا لمشكلة الأموال الضخمة التي يستحلها الأغنياء القادرون المماطلون؟ نرجو أن يتسع وقت المجمع لبحث هذا الموضوع، هذا من الناحية التطبيقية وأن لا يكتفي المجمع بإذن الله تعالى على المسائل النظرية فقط.
والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وشكر الله لكم جميعًا. .