الفرق الهام بين الوعد والعدة وبين المواعدة هو أن العدة أو الوعد تكون من جانب واحد، ومادامت من جانب واحد فهي لا تكون إلا بمعروف، لا تكون إلا تبرعًا، فالذين قالوا إنه إذا كان حتى على أكثر الآراء في مسألة اللزوم ولنأخذ به أن هذه العدة التي تصدر من جانب واحد ملزمة لهذا الشخص الذي صدرت منه، قال بعض الأخوة وهم أكثر من واحد إنها إذا كانت واجبة في التبرعات فمن باب أولى تكون واجبة في المعاوضات، وهذا كلام غريب في الواقع بالنسبة لي لأنه إذا كانت هذه العدة لا تصدر إلا من جانب واحد، فكيف تكون في المعاوضات؟ لا يمكن، ولا يمكن أن نجد مثالًا واحدًا لعدة في المعوضات، هي دائمًا تبرعات، بأي صفة صدرت، يدفع له مالًا يعمل عملًا، حتى من ناحية الوعد سواء دخل في السبب أم لم يدخل، كان هناك سبب أو لم يكن، هي كلها وفي جميع صورها تبرع محض، فلا محل للقول بأنها إذا كانت لازمة في التبرعات فهي ألزم منها في المعاوضات، هذا ما يتعلق بالعدة ولنأخذ بالقول بالإلزام ديانة وقضاء وفي جميع الأحوال، لكن هذا كله لا ينفعنا في موضوع البيع المرابحة يدخل في القسم الثاني وهي المواعدة، والمواعدة هذه تكون من جانبين، هي عدة من جانبين، من البنك ومن العميل، فلا يصح إطلاقًا أن نطبق عليها حكم العدة، وهذا هو السبب الذي أوقع بعض الأخوة في الخطأ وفي الاستدلال بمذهب الإمام مالك في وجوب الوفاء بالوعد.
فإذا أخرجنا موضوع بيع المرابحة للآمر بالشراء من باب العدة أو الوعد واتفقنا على هذا نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا في حل هذه المسألة، ولنأت بعد ذلك إلى المواعدة، أي وعد من الجانبين: هل هو ملزم أو غير ملزم؟ مذهب المالكية صريح في هذا وقد تحدثوا عن العدة كما تحدثوا عن المواعدة، وأحد الإخوان أشار إلى قاعدة المواعدة، هذه قاعدة عندهم أقرأ لكم نصها:"القاعدة الخامسة والستون: الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية" وشرح هذه القاعدة كما جاء في "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك": ومن ثم منع مالك المواعدة في العدة لأنه لا يصح الزواج وعلى بيع الطعام قبل قبضه لأنه لا يجوز ووقت نداء الجمعة وعلى ما ليس عندك، وهذا هو محط الشاهد: الإمام مالك والمالكية جميعًا يمنعون المواعدة على ما ليس عندك وهذا هو بيع المرابحة للآمر بالشراء بنصه، لا يختلف عنه في شيء بتاتًا، البنك يعد بأن يبيع السلعة لطالبها، وطالب السلعة يعد بأن يشتريها، وأحب أن أنبه إلى نقطة هنا، المالكية عندما قالوا هذا الكلام، وهذه القاعدة تعني أن هذا لا يجوز في حال الإلزام "الإلزام بهذه المواعدة" لأنا لو ألزمنا كلا من الطرفين بتنفيذ وعده تكون بيعًا، وليست مواعدة، وهذا البيع لا يجوز إنشاؤه في الحال، لا يجوز أن يقول البنك للعميل الذي يطلب لسلعة ليست عند العميل: بعتك السلعة الفلانية التي طلبتها بمبلغ كذا، ويقول له الطالب قبلت، ثم يذهب البنك فيشتريها ويقدمها له. .