للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو معنى هذه القاعدة: المواعدة لا تصح بما لا يصح وقوعه في الحال، كما لا يصح أن أبيع ما لا أملك، كذلك لا يصح أن أعد بأن أبيع ما لا أملك مع التزام كل من الطرفين بهذا الوعد، هذا هو ما فهمته من هذه القاعدة.

والقاعدة تعني أيضًا أن هذه المواعدة يمكن أن تقع صحيحة إذا كان الشيء الموعود أو المتواعد عليه يصح وقوعه في الحال، إذا كان المال الذي أريد أن أبيعه عندي لا مانع من هذه المواعدة عند المالكية.

فإذن أنا أريد –وأطلت في هذا- لأدفع به قول من يستشهد بالإلزام في بيع المرابحة بمذهب المالكية، فمذهب المالكية قطعًا لا يجيز هذا، بل إن المالكية قد تطرقوا إلى هذه المسألة تحت باب "العينة" والدكتور بكر كتب في هذا ونقل كل نصوص المالكية في هذه المسألة، وحسب مذهب المالكية فإن المعاملة القائمة بين البنوك بحسب الجزئيات التي ذكروها زيادة على هذه القاعدة العامة لا تجوز، بل أن هذه المسألة ذكرها الإمام مالك في الموطأ، وبالمناسبة أن بيع المرابحة للآمر بهذا ليس أمرًا مستحدثًا، هي التسمية بهذا الشكل هي المستحدثة أما البيع فهو معروف وأقرأ لكم عبارة الإمام مالك في الموطأ: "روي مالك في الموطأ أنه بلغه أن رجلًا قال لرجل ابتع لي هذا البعير بنقد حتى أبتاعه منك إلى أجل، فسأل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه" الإمام مالك أورد هذه العبارة في باب "بيعتان في بيعة"، وقد علق شراح الموطأ ومنهم الباجي على هذه المسألة بقوله: ولا يمنع أن يوصف بذلك من وجهة أنه قد لزم مبتاعه بأجل بأكثر من الثمن فصار قد انعقد بينهما عقد بيع تضمن بيعتين، إحداهما الأولى وهي بالنقد، والثانية المؤجلة، وفيها مع ذلك بيع ما ليس عنده، وهذا هو المهم عندي وهو الصفة الواضحة في هذه المسألة لأن المبتاع بالنقد قد باع من المبتاع بالأجل البعير قبل أن يملكه، ثم يستطرد ويقول: وفيها سلف وزيادة.. الخ، فذكر أكثر من دليل على المنع وأوضح هذه الأدلة على المنع هو أن هذا البائع قد باع قبل أن يملك، وواضح من عبارة الإمام مالك ومن شرح الباجي أن هذا إذا كان على الإلزام، أما إذا كان ليس على الإلزام ولو على طرف واحد، على المشتري أنه بالخيار فلا مانع من هذا وخاصة كما تعلمون أن مذهب المالكية أنه عنده الخيار قد يدخل كثير من العقود فيجعلها صحيحة مقبولة وإن كانت في الأصل لو كانت على الإلزام لا تكون مقبولة، أما إذا جعل فيها الخيار لأحد الطرفين تكون مقبولة.

ويعللون هذا بأن دخول الخيار يخرجها من باب المكايسة والمغالبة إلى باب المكارمة، مادام أعطى أحد الطرفين الآخر الخيار فقد جعله في حل وسعة، ولهذا فتفسير هذا المنع هو في حال الإلزام.

<<  <  ج: ص:  >  >>