سبق أن أشرنا في مقدمة هذا المبحث إلى خطورة موضوع تغير العملة بما له من أثر على الفرد والجماعة والدول، وهو بلا شك قضية العصر الاقتصادية، والتي انفجرت في هذه السنوات الأخيرة إثر تراكمات متوالية من المشكلات الاقتصادية المحلية والعالمية، ولعلها بدأت منذ أن ارتضت الدول واصطلحت على أن تتعامل بالأوراق النقدية من غير اشتراط أن يكون لها غطاء ذهبي أو فضي يوازن قيمتها ويحفظ اضطرابها الأمر الذي شجع كثيرا من الدول تحت ظروف اقتصادية سواء في حال السلم عامة، أو الحرب خاصة، أن تسرف في طبع هذه الأوراق وتغرق بها الأسواق، طمعا في تعديل اقتصادها وإرضاء المشاعر، أو تخديرها، أو كبت بوادر ومظاهر الثورات الاجتماعية، متجاهلة خطورة هذا التوسع في مردوده الاقتصادي الخطير على الأسعار والقوة الشرائية للعملة فيكون سببا في التضخم وهو ارتفاع الأسعار بسبب زيادة الإنفاق النقدي بنسبة أكبر من عرض السلع، ولا شك أن هذا يسبب مشاكل اقتصادية متشعبة المسالك صعبة الحل، وقد تتكرر هذه القضية على فترات تاريخية متقاربة فيقل الخطر أحيانا، ويمكن تلافي آثاره، ويعظم أحيانا فيصعب تداركه وتلافي آثاره السيئة على الفرد والجماعة والدولة، وكم من دول استبيحت أراضيها بأسباب اقتصادية، وكم من دول انهار بنيانها بعد قوة بسبب سوء تصريف اقتصاديا.
وكان الربا وما زال هو مرجع هذه الإشكالات، ومصدر المحن الاقتصادية الخانقة، وما التضخم أو الكساد أو غيرها، إلا بعض مظاهر الربا في واقع الأمر، وحقيقته بشكل مباشر أو غير مباشر، وإن موضوع تغير العملة يقع ضمن أدق وأخطر أبواب الفقه الإسلامي، فيقع ضمن أبواب القرض والبيوع والربا والصرف وغيرها، والصرف خاصة هو من أقرب الأبواب إلى الربا، وأمر يقع بين الصرف والربا لهو خطير جدا، وإن ممارسة الصرف وتشعيب قضاياه يحتاج إلى نوع حذر شديد، فلا توسع أبوابه حتى لا يكون ذريعة إلى الربا، ولا تضيق عن حدها فيدخل على الناس العنت في معايشهم وتعكر أحوالهم، وذاك أو هذا مما لا يرتضيه الشرع الحنيف. وينبغي أن تراعى في ذلك قواعد الصرف كما تراعى قواعد الأبواب الأخرى في الفقه حتى يسلم الحكم من شائبة الغرر أو الربا أو غير ذلك.