وهذا ظاهر كما قدمناه ولا كلام لنا فيه. وإنما الشبهة فيما تعارفه الناس من الشراء بالقروش ودفع غيرها بالقيمة فليس هنا شيء معين حتى تلزمه به سواء غلا أو رخص. ثم بين وجه من أفتى بخلاف رأيه وشيخه فقال: ووجه ما أفتى به بعض المفتين كما قدمناه آنفا: أن القروض في زماننا بيان لمقدار الثمن، لا لبيان نوعه ولا جنسه، فإذا باع شخص سلعة بمائة قرش مثلا، ودفع المشتري بعد الرخص ما صارت قيمته تسعين قرشا من الريال أو الذهب مثلا، لم يحصل للبائع ذلك المقدار الذي قدره ورضي به ثمنا لسلعته، لكن قد يقال: لما كان راضيا وقت العقد بأخذ غير القروش بالقيمة من أي نوع كان، صار كأن العقد وقع على الأنواع كلها، فإذا رخصت كان عليه أن يأخذ بذلك العيار الذي كان راضيا به، وإنما اخترنا الصلح لتفاوت رخصها، وقصد الإضرار كما قلنا، وفي الحديث لا ضرر ولا ضرار، ولو تساوى رخصها لما قلنا بلزوم العيار الذي كان وقت العقد، كأن صار مثلا ما كان قيمته مائة قرش من الريال يساوي تسعين، وكذا سائر الأنواع. أما إذا صار ما كان قيمته مائة من نوع يساوي تسعين، ومن نوع آخر خمسة وتسعين. ومن آخر ثمانية وتسعين، فإن ألزمنا البائع بأخذ ما يساوي التسعين بمائة فقد اختص الضرر به، وإن ألزمنا المشتري بدفع تسعين اختص الضرر به فينبغي وقوع الصلح على الأوسط (١) .
ويفهم من كلام ابن عابدين رأيه الخاص فيما إذا وقع العقد في البيع أو القرض على القروش غير المعينة، وبين أن الأمر المتفق عليه قبل صدور الأمر السلطاني بالرخص فيها أن المشتري بالخيار في دفع القروش المسماة والمتفق عليها، أو ما يعادلها كل قرش بأربعين مصرية أو من غيرها كالريال، بناء على أن العرف الشائع عندهم أن من اشترى بالقروش لا يجب عليه دفع عينها.
أما بعد ورود الأمر السلطاني بالرخص، فأما أن تكون العملات متساوية في قيمتها، أو مختلفة فإن كانت متساوية في الرخص فيجب حينئذ دفع ما يعادل تلك القروش بالسعر الذي كانت عليه وقت العقد.
وإن كانت مختلفة فيلجأ إلى الصلح، ولا يخير المشتري لئلا يلحق ضررا بالبائع فينبغي دفع الوسط من الأقل والأكثر توزيعا للضرر على البائع والمشتري.