يمكن أن يتخرج الرأي المختار على عدة نظائر، وقواعد فقهية.
أما النظائر: فقد تكلم الفقهاء في بيع الفلوس إذا حصل تخالف وفسخ وهي تالفة فتجب القيمة، وتعتبر قيمتها يوم التلف على خلاف بينهم.
وتكلموا عن استعارة الفلوس، ففي تلفها قال بعضهم: بالقيمة يوم التلف.
وأيضا: لو أخذت الفلوس على جهة السوم، فتلفت ففيها القيمة يوم القبض، أو يوم التلف على خلاف بينهم.
أما القواعد التي يدخل فيها الموضوع وله فيها نوع تعلق فهي: قاعدة الضرورة – والضرر لا يزال بالضرر – والضرورة تقدر بقدرها – الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أم خاصة – وتصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة – والخراج بالضمان – الميسور لا يسقط بالمعسور – والمشقة تجلب التيسير – ورفع الحرج.
إذا وقع العقد على نقد غير معين النوع:
هذا الذي سبق بيانه إذا رخصت أو غلت الدراهم والدنانير والفلوس وكان عقد البيع أو القرض وقع على نوع معين منها، لكن إذا وقع العقد على نقد غير معين من مثل القروش، فالحكم يختلف وقد تكلم ابن عابدين عن هذا الموضوع فقال: أما إذا وقع العقد على القروش التي لا يتعين منها نوع خاص فلا يمكن القول برد المثل؛ لأن المثلية إنما تعلم حيث علم النوع، وقد علمت أن أنواع النقود متفاوتة في المالية، وكذا رخصها الذي ورد الأمر به متفاوت فبعضها أرخص من بعض، وإذا جعلنا الخيار للدفاع كما كان الخيار له قبل ورود الأمر يحصل للبائع ضرر شديد، فإن الدافع يختار ما رخصه أكثر، فإن ما كان من بعض أنواع النقود وقت البيع يساوي مائة قرش مثلا، صار بعد الأمر يساوي تسعين، ومنه ما يساوي خمسة وتسعين، فيختار المشتري ما يساوي تسعين ويحسبه عليه بمائة. كما كان وقت البيع، فيحصل بذلك ضرر بين للبائع، ولا يقال: إن الخيار وقت البيع كان للمشتري، فيبقى له الآن؛ لأنَّا نقول: قد كان الخيار له حيث لا ضرر فيه على البائع، فإنه وقت البيع لو دفع له من أي نوع كان لا يتضرر، ولو كان رخص الأنواع الآن متساويا بلا ضرر لجعلنا الخيار للمشتري، ليدفع على السعر الواقع وقت العقد من أي نوع كان، كما كنا نخيره قبل الرخص، ولكنه لما تفاوت الرخص، وصار المشتري يطلب الأنفع لنفسه، والأضر على البائع قلنا: لا خيار إذ لا ضرر وضرار في الإسلام. ولما لم أجد نقلا في خصوص مسألتنا هذه تكلمت مع شيخي الذي هو أعلم أهل عصره، وأفقهم، وأورعهم فيما أعلم، فجزم بعدم التخيير، وجنح إلى الإفتاء بالصلح في مثل هذه الحادثة حتى نجد نقلا في المسألة، لأنك قد علمت مما قدمناه أن المنصوص عليه، إنما هو الفلوس والدراهم الغالبة الغش، فينبغي أن ينظر في تلك النقود التي رخصت ويدفع من أوسطها نقصا لا الأقل ولا الأكثر، كيلا يتناهى الضرر على البائع أو على المشتري، وقد بلغني أن بعض المفتين في زماننا أفتى بأن تعطى السعر الدارج وقت الدفع. ولم ينظر إلى ما كان وقت العقد أصلا ولا يخفى أن فيه تخصيص الضرر بالمشتري. لا يقال ما ذكرته من أن الأولى الصلح في مثل هذه الحالة مخالف لما قدمته عن حاشية أبي السعود من لزوم ما كان وقت العقد بدون التخيير بالإجماع إذا كانت فضة خالصة أو غالبة لأنا نقول ذاك فيما إذا وقع العقد على نوع مخصوص كالريال مثلا.