وهذا الحكم الشرعي الذي لا يصح غيره إن شاء الله أما القول بأن النقود الورقية سندات ديون على الجهة التي أصدرتها للتعهد المسجل بقيمتها لحاملها عند الطلب فإنه قول مخالف للواقع لأن كثيرا من الدول ألغت هذا التعهد وحتى بالنسبة للدول التي لم تصدر قرارا بإلغائه لم يعد لهذا التعهد أدنى أثر من الناحية العملية فهو مجرد " نقش على ورق " وندعوا أصحاب هذا القول أن يتقدم أحدهم بورقية نقدية إلى الجهة صاحبة التعهد: بنك مركزي أو مؤسسة نقد مثلا " طالبا الوفاء بقيمتها ذهبا فإن وجد من يرد عليه فليخبرنا وإن وجد من يضحك عليه فلا يخبرنا وأما القول بأن النقود الورقية عرض من عروض التجارة فالرد عليه من وجهين: الأول أن عروض التجارة تقوم بالنقود الورقية فكيف إذن يقوم الشيء بنفسه؟ هذا غير متصور. الثاني: أنه يؤدي إلى نتائج في غاية الخطورة منها هدم القاعدة الشرعية في أحكام الربا ومنها هدم الركن الثالث من أركان الإسلام وهي فريضة الزكاة ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا يصح القول بأن النقود الورقية تأخذ حكم الفلوس لأننا نرى والله أعلم أن دور الفلوس بجانب الذهب والفضة كان دورا جانبيا إلى أبعد الحدود أما النقود الورقية فلم تظهر إلا لكي تحل محل الذهب والفضة فمحلها إذن الدور الرئيسي الفعال بل يكاد يكون هو الدور الوحيد في هذا الزمن فقد أصبحت كل دولة تعطى نقدها قوة إلزامية واحدة حتى أن النقود المعدنية المتداولة الآن والتي تتمثل في وحدات صغيرة من النقد تراها مقدرة قانونا بالقيمة الثابتة أصلا للنقود الورقية فقروش الجنيه المصري تابعة له ومرتبطة به وقروش الريال السعودي تابعة له ومرتبطة به وفلسات الدينار الكويتي تابعة له ومرتبطة به وهكذا القول في سنتات الدولار الأمريكي وغيره من العملات الأخرى وأخيرا هناك من قال: إن النقود الورقية بدل عن الذهب والفضة وللبدل حكم البدل منه مطلقا وهذا أقرب الأقوال إلى الصواب دون شك ولعل كلمة مطلقا هي الملحوظة الوحيدة على هذا القول إذ لا ريب أن النقود الذهبية ذهب وأن النقود الفضية فضة وأن النقود الورقية ورق " بفتح الراء " فالنقود الذهبية والفضية أثمان بحكم الخلقة كما سبق لنا البيان أما النقود الورقية فهي نقود بحكم القانون وقد أشار فضيلة الدكتور عبد الله بن سليمان بن مينع إلى هذا القول مبينا أن أصحابه بنوه على أن النقود الورقية إن كان له غطاء كامل من الذهب فلها حكم الذهب وإن كان غطاء كامل من الفضة فلها حكم الفضة وحيث إن الوقع خلاف ذلك وإن غالب الأوراق النقدية مجرد أوراق وثيقية قيمتها مستمدة من سن الدولة التعامل بها وتلقى الناس إياها بالقبول وإن القليل المغطى لا يلزم أن يغطى بالذهب والفضة بل قد يغطى بغيرهما من عقار أو أوراق مالية فقد ظهر لنا أن هذه النظرية تفتقر إلى ما يسندها من دنيا الواقع. يراجع في عرض هذه الأقوال ومناقشتها والرد عليها: فضيلة الدكتور عبد الله بن سليمان بن منيع: الورق النقدي: ص ٤٥ – ٨١ طبعة سنة ١٤٠٤ هـ. فقد جاء في المدونة الكبرى في باب التأخير في صرف الفلوس: