تغير قيمة العملة:
لم يكن في عهد ابن عابدين عملة ورقية كما هو معروف ولا شك أن العملة الورقية تتغير قيمتها بالانخفاض غالبًا وكثيرًا ما تتدهور هذه القيمة إلى أبعد الحدود كما سبق أن بينا.
ونحاول هنا أن نبحث عن حكم تغير العملة الورقية في الظروف العادية كما هو موضوع المبحث. وإذا ما أردنا تطبيق هذه القواعد على تغير العملة الورقية فإننا نفصل القول على النحو الآتي:
أولا: بالنسبة لعدم رواج العملة أو انقطاعها: فهذا غير وارد بالمرة في هذا العصر (١) إذا لا بد في كل دولة من عملة نقدية معتمدة فيها يلتزم رعاياها بالتعامل بها.
وحتى في الظروف الخاصة لبعض الدول التي تجد فيها الدولة نفسها في حاجة إلى إلغاء ورقة نقدية معينة فإنه توجد بالضرورة أوراق نقدية أخرى يتعامل بها الناس أو تصدر الدولة ورقة نقدية أخرى بديلة وكذلك عندما يرى البنك المركزي أو مؤسس النقد أن ورقة نقدية تكاد تختفي من أيدي الناس أما لاستهلاكها أو لاختفائها فإن البنك أو المؤسسة تسارع بإصدار مزيد من هذه الورقة تبعًا لحاجة التعامل التي تقدرها.
ثانيا: أما بالنسبة لتغير قيمة الورقة النقدية فهذا ما تعاني منه المجتمعات المعاصرة وعلى الأخص في الدول النامية.
وما نقله ابن عابدين رحمه الله عن أئمة الحنفية من أن في رخص الفلوس قولين: ليس له غيرهما. أولهما قيمتها من الذهب عند العقد وعليه الفتوى هذان القولان هما في الفلوس أو الدراهم الغالبة التي ولا تزال عبارة ابن عابدين أمامنا حيث قال: (وإياك أن تفهم أن خلاف أبي يوسف يجرى في الذهب والفضة)
وقد يقال: أنك قد انتهيت في الفصل السابق إلى أن النقود لورقية تحل بالضرورة محل الذهب والفضة وتأخذ نفس الحكم وعليه فلا يجوز الأخذ بمذهب أبي يوسف في انخفاض العملة الورقية لأنها بديلة عن الذهب والفضة.
والذي يظهر لي - والله أعلم - أن النقود الورقية وإن كانت بديلا عن الذهب والفضة، ولكن ليس ذلك على إطلاقه.
وإذا كان الحنفية يقولون إن الذهب والفضة أثمان بحكم الخلقة والفلوس أثمان بالاصطلاح فإننا نقول إن النقود الورقية أثمان بحكم القانون الملزم فهي إذن تأخذ حكم الذهب والفضة في الثمنية وسائر الالتزامات الشرعية ولكن نظرا لأنها ليست كذلك بحكم الخلقة فإن ذلك يدعونا إلى الاستعانة بالله تعالى والتفكير مليا لعله سبحانه يوفقنا إلى الحكم الشرعي الذي يرضيه.
وبناء على ما تقدم وأخذا في الاحتياط فإنى أرى - والله أعلم - التفرقة بين حالتين:
(١) القرن الخامس عشر الهجري