للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول

الاستقرار النسبي للنقود السلعية

في عصر التشريع كان الغالب في سعر الصرف الدينار بعشرة دراهم ولذا كان نصاب الزكاة عشرين دينارا أو مائتي درهم وبالبحث في النصاب ووزن كل من الدينار والدرهم نجد أن قيمة الذهب كانت سبعة أضعاف قيمة الفضة ومع أن الذهب والفضة يتميزان بالاستقرار النسبي غير أن العلاقة بينهما لم تظل ثابتة فتغير سعر الصرف من وقت لآخر بل وجدنا في عصرنا - الفضة تهبط إلى ما يقرب من واحد في المائة (١ %) من قيمة الذهب.

كما أن العلاقة بينهما وبين باقي الأشياء لم تظل ثابتة مثال هذا عندما غلت الإبل في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فزاد مقدار الدية من النقدين.

إن هذه الزيادة تعنى أن النقود انخفضت قيمتها بالنسبة للإبل ولكن الأمر لم يكن قاصرا على الإبل فغيرها قد يرتفع ثمنه وقد ينخفض وارتفاع الثمن يعنى انخفاض قيمة النقود وانخفاض ثمن السلع يعنى ارتفاع النقود.

غير أن الزيادة أو النقصان لم تكن بالصورة التي شهدها عصرنا عصر النقود الورقية وعلى الأخص بعد التخلي عن الغطاء الذهبي ولجوء بعض الدول أو اضطرارها إلى خفض قيمة ورقها النقدي.

والغلاء الفاحش الذي ساد عصرنا لم يكن سائدا في الدول الإسلامية من قبل لالتزامها بمنهج الإسلام أو قربها منه فالاقتصاد الإسلامي يعنى زيادة الإنتاج وعدالة التوزيع وترشيد الاستهلاك. والإسلام يمنع الوسائل التي تؤدى إلى غلاء الأسعار كما هو معلوم لمن يدرس البيوع المنهي عنها وينهى عن ظلم المسلمين بكسر سَكَّتِهِم وإفساد أموالهم.

جاء في البيان والتحصيل: ٦/٤٧٤ ما يأتي:

قال محمد بن رشد: (الدنانير التي قطعها من الفساد في الأرض هي الدنانير القائمة التي تجوز عددا بغير وزن فإذا قطعت فردت ناقصة غش بها الناس فكان ذلك من الفساد في الأرض وقد جاء في تفسير قوله عز وجل قال: {يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} إنهم أرادوا بذلك قطع الدنانير والدراهم لأنه كان نهاهم عن ذلك وقيل: إنهم أرادوا بذلك تراضيهم فيما بينهم بالربا الذي كان نهاهم عنه وقيل: إنهم أرادوا بذلك منعهم للزكاة وأولى ما قيل في ذلك: إنهم بذلك جميع ذلك وأما قطع الدنانير المقطوعة فليس قطعها من الفساد في الأرض وإنما هو مكروه) .

<<  <  ج: ص:  >  >>