١- الفلوس وما يلحق بها أثمان باصطلاح الناس فإذا تغير اصطلاحهم فينبغي مراعاة هذا التغير بحيث لا يترتب على طرف ضرر، وإلا لم يعد للاصطلاح قيمة ولا فائدة.
٢- ثم إن الرخص والغلاء كالعيب اللاحق للفلوس فترتب عليه ظلم للدافع والرخص فيجبر بالقيمة ولا يبطل العقد كما لم يبطل في الكساد والانقطاع، وهو نظر أبي يوسف في أحوال التغير كلها في الكساد والانقطاع والرخص والغلاء.
٣- والقياس الجلي في الرخص والغلاء يقتضي رد المثل في الفلوس لأنها قيست على الدراهم والدنانير التي يجب فيها بالإتفاق رد المثل، بجامع الثمنية في الإلحاق وهي العلة المتعدية.
لكننا تركنا القياس الجلي إلى الاستحسان وهو القياس الخفي الذي يقتضي رد القيمة بدليل المصلحة والضرورة على رأي الحنفية.
والعلة الخفية التي بني عليها الاستحسان هنا أن اجتماع الفلوس مع الدراهم والدنانير في علة الثمنية لا يمنع من حيث آثار كل أن يختلفا في قيمة هذه الثمنية، فالدراهم والدنانير لا تبطل ثمنيتها بحال، وهي في الخلقة ثمن ورخصها اليسير جدًا لا قيمة له، فلا يترتب ضرر محقق للعاقدين حتى يجب رفعه.
بخلاف الفلوس والأوراق النقدية فقد تبطل ثمنيتها وقد ترخص كثيرًا، فينظر حينئذ إلى ما انبنى عليها من آثار شغل الذمم، فقد فارقت في هذا الحال مماثلة الدراهم والدنانير صورة برخص قيمتها، ولم تفارقه حقيقة في مقدار ما شغلت فيه الذمة مما اصطلح عليه حين العقد وإن لم يقبل هذا في مفارقة الفلوس والدراهم والدنانير، فيمكن اعتبار المفارقة استحسانًا للمصلحة أو للضرورة على رأي الحنفية، ويتخرج هذا الرأي على عنصر نظائر فقهية؛ فقال الفقهاء في بيع الفلوس: إذا حصل تخالف وفسخ وهي تالفة فتجب القيمة وكذلك استعارة الفلوس وتلفها قال بعضهم بالقيمة يوم التلف، ولو أخذت الفلوس على جهة السوم فتلفت ففيها القيمة.
وكذلك قاعدة:(الحاجة تنزَّل منزلة الضرورة) و (دفع الضرر ورفع الحرج) و (الضرورات تبيح المحظورات وتقدر بقدرها) قواعد يمكن التخريج عليها هنا في هذا المضمار.