رأينا في عقود التأمين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر، هل في عقد التأمين غرر؟ الجواب نعم، وليس غير الغرر في نظرى دليلا ظاهرا يناطح الخصم ويظهر عليه ويشهد لذلك علماء القانون الذين عدوا بالإجماع هذا العقد من عقود الغرر. وقد مر أنه من العقود الاحتمالية في خصائصه، والغرر إذا استطاع المبيحون أن ينفوه عن أحد طرفي العقد المؤمن فلابد في أن ينتفي الغرر بالنسبة للمستأمن أيضًا، وهو ما لم يستطع المبيحون أن يثبتوه بوجه ما، ثم هل الغرر في التأمين كثيرا مانع أم لا؟ ضابط الغرر الكثير لدى الفقهاء هو ما غلب على العقد حتى صار العقد يوصف به. وأرى مع أخي الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير حفظه الله في كتابه القيم الغرر وأثره في الفقه الإسلامى أن هذا الضابط ينطبق على عقد التأمين، فإن من أركان عقد التأمين التى لا يوجد دونها الخطر والخطر هو حادثة محتملة لا تتوقف على إرادة أحد الطرفين، ولذا لا يجوز قانونا التأمين إلا من حادث مستقبل غير متحقق الوقوع، فالغرر عنصر لازم لعقد التأمين ومن الخصائص التى يتميز بها ومما يدل على أن الغرر تمكن من عقد التأمين وأصبح صفة لازمة له، أن كثيرا من القوانين تذكره تحت عنوان "عقود الغرر". ثم هل هناك حاجة أو ضرورة لعقد التأمين تجعل الغرر الذي في عقد التأمين غير مؤثر، من المعلوم أن الحاجة أدنى من الضرورة منزلة إذ يلزم بلزومها الحرج والضيق ويشترط أن تكون الحاجة لاعتبار الغرر غير مؤثر أن تكون عامة أو خاصة وأن يكون ذلك العقد متعينا لسد تلك الحاجة بحيث لو أمكن سد الحاجة عن طريق عقد لا غرر فيه فلا يصح اللجوء إلى العقد الذي فيه غرر، والذي يبدو لى أن الحاجة عامة لعموم البلوى ولكن عقود التأمين بقسط ثابت ليست متعينة لسد تلك الحاجة، وهذه ناحية مهمة جدًا، فالذي تقتضيه قواعد الفقه الإسلامى منع هذا العقد لما فيه من غرر كثير من غير حاجة ملجئة، إذ من الممكن أن نحتفظ بعقد التأمين في جوهره ونستفيد بكل مزاياه مع التمسك بقواعد الفقه الإسلامي وذلك بإبعاد الوسيط الذي يسعى إلى الربح وجعل التأمين كله تأمينا تعاونيا خيريا بحتا تتولاه الحكومات في البلاد الإسلامية بكافة أنواعه فتجعل له منظمة تشرف عليه على أن يكون المعنى التعاوني بارزا فيه بروزا واضحا وذلك بالنص صراحة في عقد التأمين حينئذ على أن المبالغ التى يدفعها المشترك تكون تبرعا منه للشركة يعان منها من يحتاج للمعاونة من المشتركين حسب النظام المتفق عليه.