وما جرى استعرضه في الحالات الثلاث وما في أحكامها من أقوال لأهل العلم تدور بين الاعتبار وعدمه يعطي تصورًا واضحًا إلى أن القول بربط الحقوق والالتزامات الآجلة بالأسعار موضع تحفظ بالغ في الشريعة الإسلامية. فحتى إذا ظهرت المبررات للأخذ به فإن هناك من يرفضه أخذًا بمبدأ الالتزام والاحتفاظ بقدره ونوعه وأمده طالما أن لموضوع الالتزام قيمة معتبرة وإن نقصت عن قيمتها الحقيقية وقت الالتزام.
وبعد هذا يمكن أن ننتقل إلى نقاش مبررات القول بربط الحقوق الآجلة بالأسعار فنقول وبالله التوفيق وعليه الاعتماد:
* أولى هذه المبررات: القول بأن الإسلام دين العدل والإنصاف، والتضخم الاقتصادي يأتي على هذه القاعدة حيث إن التضخم سبب في تكدس الثروات بأيدي قلة من الناس وتبقى الكثرة الكاثرة وهم يعانون قلة ذات اليد، وربط الالتزامات الآجلة بمؤشرات الأسعار يحقق العدل ويقضي على التضخم.
والإجابة على هذا هو التسليم بأن الإسلام دين العدل والإنصاف وأنه ضد التضخم وتجمع الثروات في أيدي قلة من الناس قال تعالى في تبرير الإنفاق على المحتاجين دون الأغنياء:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}(١)
وهو يهدف من تشريعاته الصائبة إلى إشاعة المال بطرق مشروعة ومختلفة وتفتيت الثروات وإعادة توزيعها على أكبر عدد ممكن. فهو يحض على الإنفاق في سبيل الله، وسبل الله غير محصورة في جهة معينة فكل طريق من طرق الخير يعتبر سبيلا لله. ويجب في الأموال حقوقًا معينة كالزكوات وحقوقًا غير معينة كالنفقات الواجبة، وفي الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في المال حقًّا سوى الزكاة.