وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أجازه، وقال ابن سيرين لا بأس به، وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئًا وقال أحمد: هذا في معناه واختار ابن الخطاب أنه لا يصح وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. ويروى ذلك عن ابن عباس والحسن ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربون)) . رواه ابن ماجه ولأنه شرط للبائع شيئًا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي ولأنه بمنزلة الخيار المجهول فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح كما لو قال ولي الخيار متى شئت رددت السلعة معها درهمًا وهذا هو القياس وإنما صار أحمد فيه إلى ما روى نافع عن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا، قال الأثرم قلت لأحمد تذهب إليه قال أي شيء أقول هذا عمر رضي الله عنه وضعف الحديث المروي، روى هذه القصة الأثرم بإسناده.
وقد لخص الدكتور عبد الرزاق السنهوري رحمه الله في كتابه مصادر الحق أدلة القولين ورد أدلة القائلين ببطلان بيع العربون، فقال بعد إيراده ما ذكره ابن قدامة رحمه الله ما نصه: ويمكن أن نستخلص من النص المتقدم ما يأتي:
أولا: إن الذين يقولون ببطلان بيع العربون يستندون في ذلك إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن بيع العربون، ولأن العربون اشترط للبائع بغير عوض، وهذا شرط فاسد، ولأنه بمنزلة الخيار المجهول إذا اشترط المشتري خيار الرجوع في البيع من غير ذكر مدة كما يقول ولي الخيار: متى شئت رددت السلعة ومعها درهم.
ثانيًا: إن أحمد يجيز بيع العربون ويستند في ذلك إلى الخبر المروي عن عمر وضعف الحديث المروي في النهي عن بيع العربون وإلى القياس على صورة متفق على صحتها هي أنه لا بأس إذا كره المشتري السلعة أن يردها ويرد معها شيئًا قال أحمد هذا في معناه.
ثالثًا: ونرى أنه يستطاع الرد على بقية حجج من يقولون ببطلان بيع العربون، فالعربون لم يشترط للبائع بغير عوض إذ العوض هو الانتظار بالمبيع وتوقيف السلعة حتى يختار المشتري وتفويت فرصة البيع من شخص آخر لمدة معلومة وليس بيع العربون بمنزلة الخيار المجهول، إذ المشتري إنما يشترط خيار الرجوع في البيع بذكر مدة إن لم يرجع فيها مضت الصفقة وانقطع الخيار) .اهـ.
ومما تقدم يظهر لنا جواز الحكم على المماطل وهو قادر على الوفاء بضمان ما ينقص على الدائن بسبب مماطلته وليه وإن ضمن عقد الالتزام بالحق شرطًا جزائيًّا لقاء المماطلة واللي بقدر فوات المنفعة، فهو شرط محترم واجب الوفاء لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حرامًا)) ولما ورد في صحيح البخاري في باب (ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم) . وقال ابن عون، عن ابن سيرين: قال رجل لكريه: أدخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه. وقال أيوب، عن ابن سيرين:((أن رجلاً باع طعامًا وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجئ، فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت، فقضى عليه)) اهـ. وفي الجزء الرابع من بدائع الفوائد لابن القيم رحمه الله قوله: وقال في رواية الميمونى: ولا بأس بالعربون، وفي رواية الأثرم: وقد قيل له: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن العربان، فقال: ليس بشيء، واحتج بما روى نافع عن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دارًا بشجر، فإن رضي عمر وإلا له كذا وكذا، قال الأثرم: فقلت لأحمد: فقد يقال هذا، قال: أي شيء أقول هذا عمر رضي الله عنه. اهـ.
ولا يقال بأن هذه الزيادة المترتبة على الدائن المماطل بدون حق سواء كانت عقوبة دل عليها حديث:((لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)) أو كانت مقتضى شرط جزائي اشتمله عقد الالتزام لا يقال بأن هذه هي الزيادة الربوية الجاهلية – أتربي أم تقضي. فهي تختلف اختلافًا ببعدها عنها وأهم وجوه الاختلاف ما يلي: