للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربط القروض والديون بقائمة الأسعار

ما ربط القروض وسائر الديون بقائمة الأسعار، فالمقصود منه أن لا يرد المستقرض إلى المقرض مبلغ قرضه فحسب، بل يضيف إليه قدرًا زائدًا بنسبة الزيادة في قائمة الأسعار. فإن اقترض مثلًا ألف ربية، وازدادت قائمة الأسعار بنسبة العشرة في المائة عند الأداء، فإنه يرد إلى المقرض ألفًا ومائة ربية.

ويحتج بعض الاقتصاديين على جواز هذا الربط بأن هذه الزيادة ليست زيادة حقيقية، وإنما هو رد لنفس المالية التي اقترضها المقترض، لأن مالية الألف ربية من حيث شرائها كانت أكثر عند الاقتراض، وانتقصت عند الأداء بنسبة ١٠ %، فلو رد المقترض ألف ربية كان ذلك ظلمًا على المقرض لأنه لم تعد إليه المالية الكاملة التي أقرضها. وإنما عادت إليه ناقصة , فلو ألزمنا المقترض أن يدفع إليه ألفًا ومائة، لم يكن ذلك إلا إكمال المالية المقترضة، لأن مالية الألف ومائة اليوم عين مالية الألف عند الاقتراض، فزيادة المائة جبر لنقصان قيمة النقد، وليس زيادة على المالية المقترضة، فينبغي أن لا تعتبر هذه الزيادة من الربا الحرام شرعًا.

ولكن الحق أن هذا الدليل لا ينطبق على القواعد الشرعية بحال من الأحوال، لأن القروض يجب في الشريعة أن تقضى بأمثالها، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، حتى القائلين بجواز ربط القروض بالأسعار، فبقي الآن تعيين معنى المثلية. فالسؤال الأساسي هنا: هل يجب أن تتحقق هذه المثلية في القدر (أي الكيل، والوزن، والعدد) أو في القيمة والمالية؟ والذي يتحقق من النظر في دلائل القرآن والسنة ومشاهدة معاملات الناس، أن المثلية المطلوبة في القرض هي المثلية في القدر والكمية، دون المثلية في القيمة والمالية. ويدل على ذلك دلائل:

١- لو اقترض الرجل صاعًا من الجنطة، قيمتها يومئذ خمس روبيات مثلا، فلم يؤدها إلى المقرض إلا بعد ما صارت قيمتها ربيتين فحسب، فإنه لا يرد إلى المقرض إلا صاعًا واحدًا، رغم أن مالية الصاع الواحد قد انتقصت من خمس ربيات إلى ربيتين، وهذا بإجماع الفقهاء قديمًا وحديثا، ولا يقول في ذلك أحد: إن رد الصاع الواحد فقط بعد انتقاص ماليته ظلم على المقرض، فينبغي أن تضاف إلى الصاع زيادة بنسبة نقصان قيمته، وهذا من أوضح الدلائل على أن المثلية المعتبرة في القرض إنما هي المثلية في المقدار، لا في القيمة والمالية.

وربما يقال جوابًا عن هذا: إن الحنطة بضاعة لها مالية في حد ذاتها، فلا تقاس عليها النقود الورقية التي ليست لها قيمة أو مالية ذاتية، ولكن هذا الجواب خلط للبحث، لأن السؤال هنا عن تعيين معنى المثلية المطلوبة في القرض، فما دامت المثلية المطلوبة هي المثلية في المقدار دون القيمة والمالية، فليس هناك فرق جوهري بين الحنطة والنقود في هذا المجال، لأن لكل منهما مقدارًا، وقيمة، فإن كانت المثلية المكلوبة في الحنطة هي المثلية في المقدار، فلتكن المثلية المطلوبة في النقود مثلية المقدار كذلك. ولو اعتبر تفاوت القيمة والمالية هدرًا في الخطة ـ فليكن ذلك هدرًا في النقود سواء بسواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>