وأخرج أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدين بمدين، والشعير بالشعير مدين بمدين، والتمر بالتمر مدين بمدين، والملح بالملح مدين بمدين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى)) . (جامع الأصول: ١/٥٥٤)
وأخرج مسلم عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الذهب بالذهب وزنًا بوزن)) وفي رواية أخرى: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن)) .
فهذه الأحاديث كلها ناطقة بأن التماثل المعتبر في الشريعة إنما هو التماثل في القدر، ولا عبرة بالتفاوت في القيمة، ما دامت الأموال ربوية. وهذا في المبايعة نقدًا، فما بالك في القروض التي يجري فيها أصل الربا، والتي يحترز فيها عن كل زيادة وشبهتها.
٣- وهناك حديث أخر يوضح معنى المثلية في الديون خاصة، وهو ما أخرجه أبو داود وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسول الله: رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)) . (سنن أبي داود، كتاب البيوع، رقم ٣٣٥٤، ٣/ ٢٥٠)
ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لابن عمر رضي الله عنهما إذا وقع البيع على الدنانير أن تأخذ بدلها الدراهم بقيمة الدنانير يوم الأداء لا يوم ثبوتها في الذمة. يعني إذا وقع البيع على دينار مثلًا، وقيمته وقت البيع عشرة دراهم، ثم لما أراد المشتري الأداء لم يكن عنده إلا دراهم، وقيمة الدينار الواحد يوم الأداء أحد عشر درهمًا، فإنه يؤدي إليه أحد عشر درهمًا.
ولذلك لما سأل بكر بن عبد الله المزني ومسروق العجلي عبد الله بن عمر عن كري لهما، له عليهما دراهم، وليس معهما إلا دنانير، أجاب ابن عمر: (أعطوه بسعر السوق) . فتبين أن القيمة إنما تعتبر يوم الأداء، لا يوم الثبوت في الذمة. ولئن كانت المثلية المعتبرة في الديون المثلية قي القيمة، لوجب قيمة الدنانير يوم الثبوت في الذمة. وهذا واضح جدًا.
٤- من المسلم لدى جميع الفقهاء في ضوء القرآن والسنة أن الواجب في عقد القرض اشتراط أداء المثل الحقيقي في القدر، دون المثل المقدر بالجزاف والتخمين. حتى لو أقرض الرجل صاعًا من الحنطة، واشترط أن يرد إليه المستقرض صاعًا منها بالجزاف لا على أساس الكيل / لم يجز هذا العقد، لأن المجازفة في الأموال الربوية لا تجوز. وهنا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع المزابنة وهو بيع التمر على رؤوس النخل بتمر مجذوذ. وليس وجه الحرمة في هذا البيع إلا أن التمر المجذوذ يمكن معرفة قدره بالكيل، وأما التمر القائم على رؤوس النخل فلا يمكن معرفة قدره إلا بالمجازفة والتخمين. فحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إطلاقًا، مهما كانت المجازفة دقيقة أو قريبة من الصواب. فالسبيل الوحيد في مبادلة الأموال الربوية بعضها ببعض، أن يقع التبادل على أساس التماثل الحقيقي، دون التماثل المقدر بالمجازفة.
إذا ثبت هذا، فإن التماثل المقترح في ربط الديون بقائمة الأسعار، ليس تماثلًا فعليًّا، وإنما هو تماثل مقدار على أساس المجازفة والتخمين. لأن نسبة الزيادة والنقصان في الأسعار ليست إلا نسبة تقريبية إنما تقدر على أساس حساب مخصوص لا يرجع إلا إلى المجازفة والتخمين.
ويجب لمعرفة هذه النقطة أن نعلم كيفية وضع قائمة الأسعار، وطريق استخدامها لتعين قيمة النقود.