للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والواقع أن الفلوس في الأزمنة المتقدمة كانت مرتبطة بنقود الذهب والفضة تقوم على أساسها (١) وتعتبر كالفكة للنقود الذهبية والفضية وكانت عشرة فلوس تعادل درهمًا واحدًا من الفضة، فكان الفلس الواحد يعتبر عشر الدرهم الفضي، ولكن قيمة الفلس هذه لم تكن مقدرة على أساس قيمتها الذاتية، وإنما كانت قيمة رمزية اصطلح عليها الناس، فكان من الممكن أن يتغير هذا الاصطلاح، بأن يصطلح الناس على أن الفلس الواحد الآن يعتبر نصف عشر الدرهم بعد ما كان يعتبر عشرة، فهذا هو المراد برخص الفلوس، كما يمكن أن يصطلح الناس على أن الفلس الواحد الآن يعتبر خمس الدرهم، وهذا هو المراد بغلائها.

فإذا وقع غلاء الفلوس أو رخصها بهذه الصورة، فهل يؤدي المديون نفس عدد الفلوس الذي وجب في ذمته يوم العقد؟ أو يؤدي قيمة ذلك العدد يوم الأداء؟ قد وقع فيه خلاف العلماء. فقال أبو حنيفة: يؤدي نفس العدد الذي وجب في ذمته يوم العقد، ولا عبرة بالقيمة، وهو المشهور. من مذهب المالكية والشافعية والحنابلة (راجع تنبيه الرقود: ٢/٦٠، والزرقاني على خليل: ٥/٦٠، والحاوي للفتاوي للسيوطي: ١/٩٧ – ٩٩، والشرح الكبير على المقنع: ٤ /٣٥٨)

فلو اقترض أحد مائة فلس في وقت يعتبر فيه الفلس الواحد عشر درهم واحد فاقترض فلوسًا تساوي عشرة دراهم في القيمة، ثم تغير الاصطلاح، حتى صار الفلس الواحد يعتبر نصف عشر درهم واحد، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن المقترض لا يؤدي إلا مائة فلس، وإن كانت هذه المائة لا تساوي اليوم إلا خمسة دراهم.

لكن خالفهم أبو يوسف رحمه الله، فقال: إنما يجب أداء قيمة الفلوس المقترضة على أساس الدرهم، فمن اقترض مائة فلس في المثال المذكور، إنما يؤدي الآن مائتي فلس، لأن الفلوس فكة للدراهم، فمن اقترض مائة فلس، فكأنه اقترض فكة عشرة دراهم، وإن فكة عشرة دراهم يوم الأداء هي مائتا فلس، فالواجب عليه أداء مائتي فلس.


(١) يقول ابن عابدين في مسألة أخرى: " ويدل عليه أيضًا تعبيرهم بالغلاء والرخص فإنه إنما يظهر إذا كانت غالبة الغش تقوم بغيرها ". رسائل ابن عابدين: ٢/٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>