اعتبار العرف في مثلية النقود:
قد يستدل بعض الاقتصاديين على جواز ربط الدين بقائمة الأسعار، بأن الواجب في القروض أداء المثل، ولكن يجب أن يرجع في تعيين معنى المثلية إلى العرف، فما اعتبره العرف مثلًا، ينبغي أن يعتبره الشرع أيضًا كذلك. وبما أن قيمة النقد والمقدرة على أساس قائمة الأسعار تعتبر مثلًا للمبلغ المقترض في العرف الاقتصادي اليوم، فينبغي أن تعتبرها الشريعة مثلًا في أداء القروض.
ولكن هذا الاستدلال باطل أيضًا. أما أولًا: فلأن العرف إنما يصار إليه عند عدم النص، وقد بينا فيما سبق أن النصوص التي حرمت الربا قد عينت معنى المثلية بكل صراحة ووضوح، وأن المعتبر هو التماثل في القدر، فلا مجال بعد ذلك للعرف في تعيين معنى المثل.
وأما ثانيًا: فإن كون القيمة الحقيقية (باصطلاح الإقتصاد) مثلًا لم يصره عرفًا معتبرًا إلى الآن، حتى عند الأقتصاديين. فمن المعلوم بالبداهة أن معظم بلاد العالم لم توافق بعد على فكرة ربط الديون بقائمة الأسعار، وإنما طبقت هذه الفكرة في دول معدودة (مثل البرازيل، وأستراليا، وإسرائيل ... وما إليها) فنسبتها ضئيلة جدًا بالنظر إلى سائر دول العالم.
ثم إن القلة من الدول لم تأخذ بهذه الفكرة بجميع نواحيها، ولا في سائر المداولات المالية، وإنما أخذت بها في شعب مخصوصة من شعبها الإقتصادية، لأن تطبيقها كأصل عام شامل لا يعتبر ممكنًا، حتى عند الاقتصاديين، يقول بين هورم، وإيجل ليوى:
" إن استخدام قائمة الأسعار في جميع المعاملات المالية على وجه الشمول أمر لا يمكن حصولة فعلًا (١)
ومن الأمور الواضحة جدًا، أنه لا تعرف على وجه الأرض دولة ربطت الحسابات الجارية في البنوك بقائمة الأسعار مهما كانت نسبة التضخم مرتفعة. وإن البرازيل أبرز دولة استخدمت قائمة الأسعار في كثير من معاملاتها المالية. ولعلها أكثر دول العالم استخدامًا لهذه القائمة، ولكنها لم تستخدمها في الحسابات الجارية في البنوك، فمن أودع في هذه الحسابات مبلغًا لا يستلم إلا ذلك المبلغ بنفس العدد المودع، كانت قائمة الأسعار قد ازدادت للضعف أو أكثر.
وإن هذا واضح الدلائل على أن اعتبار التماثل بالقيمة الحقيقية ليس عرفًا سائدًا، حتى في الدول التي تمسك بالقيمة الحقيقية كسلاح لمدافعة أضرار التضخم.
(١) Ben Horim and H. Levy , Financial Management in an inflationary Evironment, p. ٣٧ – ٤٠ , as quoted by Umar Chaper, in his paper , “ Indexation theory , experience and issues from Islamic perspective” , p. ٣.