وقد رأينا أكثر الاقتصاديين الذي يؤيدون فكرة الأخذ بالقيمة الحقيقية في أداء الديون، يصرخون بأنهم لا يريدون الأخذ بهذه الفكرة في القروض الاستهلاكية، يعني: إن اقترض رجل ألف ربية لدفع حاجاته الشخصية من الطعام والشراب والسكن، فإن هذا القرض لا ينبغي أن يربط بقائمة الأسعار عندهم أيضًا، وإنما يقصدون أن يطبقوا فكرة القيمة الحقيقية في القروض الإنتاجية فحسب.
أليس هذا اعتراف من أنفسهم بأن القيمة الحقيقية ليست مثلًا في القروض الاستهلاكية؟ فإن لم تكن مثلًا في القروض الاستهلاكية، فكيف تكون مثلًا في القروض الإنتاجية؟ فإن المثلية حقيقة واحدة لا تختلف باختلاف أقسام القروض؟
وكذلك نرى الاقتصاديين إنما يؤيدون فكرة القيمة الحقيقية في حالة التضخم، ولا يوجد أحد يأخذ بهذه الفكرة في حالة الانكماش. ومعنى ذلك أن القيمة الحقيقية المزعومة إنما تعتبر في حالة ارتفاع الأسعار، أما إذا انخفضت الأسعار بعد القرض، فلا يؤدي إلا المبلغ المقترض يوم العقد لأنه لا يرضي من أقرض ألف ربية أن يقبل بدلها ثمانمائة ربية نظرًا إلى انخفاض الأسعار، ولو طبقت فكرة القيمة الحقيقية في حالة انخفاض الأسعار، فإنه لا يوجد من يودع ماله في البنوك خشية النقصان العارض بسبب الانكماش.
وهذا أيضًا دليل على أن فكرة القيمة الحقيقية ليست فكرة علمية قائمة على أسس متينة وإنما هي فكرة إنما ظهرت لمواجهة أضرار التضخم كعلاج وقتي دون نظر إلى لوازمها المنطقية وعواقبها الأخرى. وإن مثل هذه الفكرة لها مجال في النظام المالي الذي يقوم على أساس الربا، وأما في النظام الذي يريد الاحتزار عن الربا،فإن فكرة ربط الديون بالأسعار فكرة زائفة لا تقوم أمام الدلائل الشرعية والعقلية.
وإن هذه المسألة قد عرضت أمام مجلس الفكر الإسلامي في باكستان، فاتفق أعضاء المجلس من العلماء والاقتصاديين جميعًا على أن ربط الديون بالأسعار لا مبرر له في الشرعية الإسلامية. وكذلك نوقش هذا الموضوع في ندوة مختصة لمداولته أقامها البنك الإسلامي للتنمية بجدة باشتراك المعهد العالمي للاقتصاد الإسلامي بإسلام أباد وذلك في شعبان سنة ١٤٠٧ هـ، وقد حضر هذه الندوة جماعة من العلماء والاقتصاديين من بلاد مختلفة، والقرار الذي اتفق عليه مشاركو هذه الندوة كما يلي.