للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ربط القروض وسائر الديون بقائمة الأسعار، فإنني قد قسمت المسألة إلى قسمين:

الأول مسألة الديون، والثاني مسألة الأجور، وأفردت لكل واحد منهما بحثًا.

أما ربط القروض وسائر الديون بقائمة الأسعار، فالمقصود منه أن لا يرد المستقرض إلى المقرض مبلغ قرضه فحسب، بل يضيف إليه قدرًا زائدًا بنسبة الزيادة في قائمة الأسعار. ويحتج بعض الاقتصاديين على جواز هذا الربط بأن هذه الزيادة ليست زيادة حقيقية، وإنما هو رد لنفس المالية التي اقتراضها لأن مالية الألف روبية مثلًا من حيث قوة شرائها كانت أكثر عند الاقتراض، وانتقصت عند الأداء بنسبة ١٠، فلو رد المقترض ألف روبية كان ذلك ظلمًا على المقرض، لأن لم تعد إليه المالية الكاملة التي أقرضها. ولكن الحق، إن هذا الدليل لا ينطبق على القواعد الشرعية بحال من الأحوال، لأن القروض يجب في الشريعة الإسلامية أن تقضى بأمثالها، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، حتى القائلون بجواز ربط القروض بالأسعار، فبقي الآن تعيين معنى المثلية. فالسؤال الأساسي هنا: هل يجب أن تتحقق هذه المثلية في القدر – أي الكيل والوزن، والعدد – أو المثلية في القيمة والمالية؟ والذي يتحقق من النظر في دلائل القرآن والسنة ومشاهدة معاملات الناس، أن المثلية المطلوبة في القرض هي المثلية في المقدار والكمية، دون المثلية في القيمة والمالية. ويدل على ذلك دلائل:

١ – لو اقترض الرجل صاعًا من الحنطة، وقيمتها يومئذ خمس روبيات مثلًا، فلم يودها إلى المقرض إلا بعدما صارت قيمتها روبيتين فحسب، فإنه لا يرد إلى المقرض إلا صاعًا واحدًا، رغم أن مالية الصاع الواحد قد انتقصت من خمس روبيات إلى روبيتين وهذا بإجماع الفقهاء قديمًا حديثًا، ولا يقول في ذلك أحد إن رد الصاع الواحد بعد انتقاص ماليته ظلم على المقرض، فينبغي أن تضاف إلى الصاع زيادة بنسبة نقصان قيمته، وهذا من أوضح الدلائل على أن المثلية المعتبرة في القرض إنما هي المثلية في المقدار، لا في القيمة المالية. وربما يقال جوابًا عن هذا: إن الحنطة بضاعة لها مالية في حد ذاتها، فلا تقاس عليه النقود الورقية التي ليست لها قيمة أو مالية ذاتية. ولكن هذا الجواب – فيما يبدو لي – خلط للمبحث، لأن السؤال هنا عن تعيين معنى المثلية المطلوبة في القرض، فما دامت المثلية المطلوبة هي المثلية في المقدار دون القيمة والمالية، فليس هناك فرق جوهري بين الحنطة والنقود في هذا المجال، لأن لكل منهما مقدارًا، وقيمة، فإن كانت المثلية المطلوبة في الحنطة هي المثلية في المقدار، فلتكن المثلية المطلوبة في النقود مثلية المقدار كذلك. ولو اعتبر تفاوت القيمة والمالية هدرًا في الحنطة، فليكن ذلك هدرًا في النقود سواء بسواء.

<<  <  ج: ص:  >  >>