للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني:

بسم الله الرحمن الرحيم.

أحب أن أعقب أولًا على اقتراح بعض الإخوان في اعتبار العملات الأجنبية كالدولار مثلًا مقياسًا وأقول: الذين رأوا هذا الرأي لم ينظروا إلى آثاره السياسية والاجتماعية ومخاطره حين نجعل العملة الأجنبية أساسًا كأننا أقررنا بمجمعنا الكبير الكريم أن ننافس العملة الوطنية. وفي هذا خطورة على اقتصادنا وخطورة على مجتمعاتنا. أحب أن أبين نقطة وهي: كان ينبغي أن نفكر كمجمع في إيجاد الدينار الإسلامي أو الدينار العربي كخطوة أولى حتى نستطيع أن نقاوم ما استطعنا سياسيات التغيير المفاجئة التي يفرضها التقسيم السياسي والضعف الاقتصادي ولو جعلنا مثل هذه الوحدة لحللنا كثيرًا من هذه المشاكل.

الأمر الآخر: هو أن هذه الأمور في الغالب مستجدة لم تكن في عهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الأئمة السابقين بسبب هذا التواصل وهذه الحركة والتطور الاجتماعي والاقتصادي في العالم. ولذلك ينبغي أن نعالجها بصبر وأناة. وقد وجدت في بعض الجوانب عند رجال القانون معالجة فيها كثير من العدالة في أمور تشبه ما نحن بصدده، مثلًا، عندما يطلب من متعهد وينزل عليه عطاء بأن يقدم لجهة من الجهات آلات أو أطعمة أو بضائع ثم تهبط الأسعار أو تغلو غلوًّا فاحشًا فينزل رجال القانون على نظرية الظروف الطارئة. ونظرية الظروف الطارئة. ونظرية الظروف الطارئة فيها من العدالة ما فيها، لأن الدولة هنا تنظر إلى المجتمع كله نظرة شمولية وتقسم الخسارة على الطرفين، على الدائن وعلى المستدين، أو على المتعهد وعلى صاحب العمل. وذلك تحقيقًا لشيء من العدالة. إنه أمر نزل بالأمة فينبغي أن يتحمله الطرفان.وقد يعطي هذا الرأي شيئًا مع ما تفضل به فضيلة الشيخ مفتي تونس وهو أن المصيبة حين تنزل عل الأمة كلها ينبغي أن تحملها الأمة كلها. فإذا حملناها للمدين وحده فلم ننصف، أما إذا حملناها للجهتين فيكون شيئًا من العدالة.

والأمر الآخر الذي أحب أن أقوله حين لا ترتبط الأحكام الشرعية بمقاصد الشريعة نقع في أخطاء فاحشة. فالإسلام عندما حرم الربا بالذهب والفضة لأنها كانت هي العملة المتداولة، وعندما تصبح العملة الورقية هي المتداولة فالثمنية بها، نشتري بها الذهب ونشتري بها الفضة. فإذا اعتبرنا قيمتها فقط فنكون قد ابتعدنا عن فقه الشريعة وربط الأحكام بمقاصدها ووقعنا في محظور ترك الزكاة وهدم أركان الدين وإحلال الربا إلى غير ذلك. ولكن نظرية الظروف الطارئة التي تجعل الحاكم في مثل هذه الأمور ينظر نظرة شمولية ليتحمل الدائن والمدين مثل هذا الفرق الشاسع يحقق شيئًا من العدالة. وشكرًا للإخوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>