عودًا على بدء ما ذكرناه في العام الماضي: إن القضاء اليوم في لبنان أمام مشكلة حيث إذا طلقت امرأة تزوجت منذ عشر سنوات وكان مؤخر صداقها عشرة آلاف ليرة لبنانية نرى القاضي يفرض نفقة ثلاثة أشهر أكثر من مؤخر صداقها نفقة العدة أكثر من مؤخر صداقها، ومؤخر صداقها يكفيها فقط لتستأجر سيارة وتحضر أمام مجلس القضاء لتسمع الحكم وتعود إلى بيتها بمؤخر صداقها. هذه حالة تحصل في لبنان.
أمر آخر: في الحقيقة المشكلة ليست فردية. البنوك في لبنان شبه متوقفة عن وفاء الديون للعملة لأنها تراجعت ثلاثمائة مرة. وفعلا تحولت العملة إلى فلوس.
أمر آخر: إن المشكلة باعتبارها قائمة في لبنان تتوقف جميع القضايا العالقة في المحاكم على قرار مجلسكم الكريم، لأنهم لم يتوصلوا إلى حل. والآن ينتظرون من مجمع الفقه الإسلامي، ماذا سيقول حتى يحقوا الحق.
أمر آخر: في الحقيقة كل من تكلم – وجزاه الله خيرًا – تكلم عن نصف الآية ووقف أمام النصف الثاني. قال تعالى – والكل يعلم – {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ} ووقف، نعم وقف {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} . الحقيقة الآية ذكرت أمرين: رفع الظلم عن المدين، ورفع الظلم عن الدائن. صحيح إننا بتأخر قيمة العملة أنصفنا كما قالوا المدين بالعملة الضعيفة ولكننا ظلمنا الدائن، والآية الكريمة ذكرت هذه المعادلة {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .
أمام كل هذه الاجتهادات يخطر في البال أمر وهو – الكل يعلم – أن الماء إذا تنجس – ماء البئر– قال الفقهاء ينزح كذا، وينزح كذا، وينزح كذا وطهر، كما قالوا استحسانًا لا قياسًا. والقياس: أن الماء لا يزال نجسا , لو أردنا تطهيره لاستأصلناه. فإذا لم يفن الماء ولم تزل النجاسة بالكلية. الحقيقة أمام كل ما تقدم كنا أمام الفلوس هي فكة وأصبحنا أمام عملة قائمة بذاتها، وثروات قائمة بذاتها. فلذلك لو تحول الدين إلى ذهب أظننا لا نكون ظلمنا ولا ظلمنا، وفي ذلك مندوحة. والله أعلم والسلام عليكم.