للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الأستاذ الزرقا: إن الفقهاء المسلمين لم يصوغوا نظرية ممهدة مستقلة للتمييز بين الحق الشخصي والحق العيني، وهذا راجع إلى اختلاف مبني الترتيب والصياغة بين الفقه الإسلامي، والفقه الأجنبي (١) .

ثم قال: "والواقع أنه فقهاءنا قد ميزوا بين الحقين في جميع المسائل التي يقتضي هذا التمييز فيها اختلاف الأحكام ... " (٢) .

وقال الشيخ علي الخفيف بعد تقسيم الحق عند القانونيين: "إن الفقه الإسلامي لا يتنكر لهذه القسمة، وإن لم يولِها عناية أوجبت الإشارة إليها منه ... وإذا كان الفقه الإسلامي لم يُشِرْ إلى هذه الأنواع ولم يعرض لهذه القسمة فإنه عرف هذه الأنواع بأسماء أخرى" (٣) .

ويقول الشيخ أبو سنة بعد ذكر أقسام الحقوق في القانون: "والشريعة لا تعارض في هذا الاصطلاح، لأنه مجرد تنظيم ما دام يفصل في كل حق بحكم الله. غير أن الأقسام التي ذكرها علماء الشريعة مبنية على اختلاف الخصائص والأحكام الشرعية لكل قسم، وهي وافية بالأغراض القضائية والديانية" (٤) .

وذكر الشيخ أبو سنة أن الفقه الإسلامي حين قسم الحقوق إلى حقوق متعلقة بالعين وحقوق ثابتة في الذمة اعتبرها حقوقًا مالية أحيانًا وغير مالية أحيانًا أخرى.

فالحق قد يكون ماليًا أو غير مالي، كحق الأب في الولاية على أولاده، وحق الأم في حضانة طفلها، فهما حقان غير ماليين وما متعلقان بالعين، وحق الله تعالى في وجوب الصلاة على المكلف حق غير مالي وهو ثابت في الذمة (٥) .

وعلى هذا يمكن القول: إن الفقه الإسلامي لم يجد حاجة إلى تقسيم الحقوق إلى حق شخصي وحق عيني، واستعاض عن هذا التقسيم بتقسيم الحقوق إلى حق متعلق بالعين، وهو المسمى الحق العيني، وحق متعلق بالذمة وهو المسمى بالدين، وإن كلام الفقهاء في العين والدين يختلف عن كلام القانونيين في الحق الشخصي والحق العيني. وإن مرادهم بالعين ما هو أوسع من مراد القانون من الحق العيني، "فهي تشمل الحق العيني وبعضًا من الحقوق الشخصية، وهي الالتزام بالعين، مثل الالتزام بتسليم عين معينة وحفظها، وهذا راجع إلى أن العين محلها كل حق ذات محددة، سواء أكان ذلك لتمليكها، أم تمليك منفعتها، أم تسليمها أم حفظها.

وأما الدين: فهو كل حق محله مبلغ من النقود أو جملة من الأشياء المثلية، فهو أضيق من مفهوم الحق الشخصي الذي هو رابطة بين شخصين تُخَوِّلُ أحدهما مطالبة الآخر بالقيام بعمل، أو الامتناع عن عمل، أو إعطاء شيء مثليًا كان أم غير مثلي، فالدين في الفقه الإسلامي صورة من صور الحق الشخصي (٦) .


(١) المدخل إلى نظرية الالتزام، للشيخ مصطفى الزرقا: ٢/٣٤-٣٥.
(٢) المدخل إلى نظرية الالتزام، للشيخ مصطفى الزرقا: ٢/٣٤-٣٥.
(٣) الملكية في الشريعة الإسلامية: ١/١٣-١٤.
(٤) الملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: ص ١١٧، عن النظريات العامة، للشيخ أحمد أبو سنة: ص ٧٧.
(٥) الملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: ص ١١٧، عن النظريات العامة، للشيخ أحمد أبو سنة: ص ٧٣.
(٦) بين الشريعة والقانون الروماني، د. صوفي أبو طالب: ص ١٦٣ وما بعدها. طبع مكتبة نهضة مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>