للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع

الحقوق المعنوية

لم يكن القانون الوضعي يعرف الحقوق المعنوية – كما سبق البيان – وإنما هي حقوق من نتاج التطور الحضاري خصوصًا في المجال الثقافي والصناعي.

وقد رأينا كيف أن القانونيين قد اختلفوا في تحديد طبيعة الحقوق المعنوية. فقد اعتبرها البعض من الحقوق العينية اعتبار أن الحقوق العينية تشمل ما كان ماديًا أو معنويًا، واختلفوا بعد ذلك في اعتبار هذا الحق من حقوق الملكية فيسري عليه ما يسري على حق الملكية أم أن طبيعته تجعله حق ملكية خاصا.

وذهب بعضهم إلى أن الحقوق المعنوية حق عيني أصلي مستقل عن حق الملكية لما له من مواصفات وطبيعة تختلف عن طبيعة حق الملكية.

والفقه الإسلامي لم يعرف هذا النوع من الحقوق المسماة بـ"الحقوق المعنوية" و"الحقوق الأدبية والصناعية والتجارية" (١) .

إذا لم يكن له وقائع أحوال تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي في مسائله، أو أصل موضوعه. ولكن الفقه الإسلامي بأصوله وقواعده ومقاصده يستوعب هذا النوع من الحقوق.

وجهة استيعاب الفقه لهذه الحقوق المعنوية راجع إلى نظرة الفقه الإسلامي إلى معنى المال والحق والملك. فقد تبين أن المال شمل معظم الحقوق، وأن كل ما يجري فيه الملك فهو مال، والحقوق مما يجري فيها الملك فهي أموال باستثناء ما لا يقبل التبعيض، فهذه الحقوق المعنوية سواء أكانت حقوقًا أدبيةً أو فنيةً أو حقوقًا صناعيةً أو تجارية فإنها مال في مفهوم الفقهاء وخاصة المالكية الذين يرون أن المال: "كل ما يقع عليه الملك ويستبد به المالك"، كما يرون أن الحقوق كلها أموال إذ الحق "جنس يتناول المال وغيره كالخيار والفقه والقصاص والولاء والولاية ... (٢) . فيشمل المال حينئذ الأعيان والمنافع والحقوق.

وليس في الفقه الإسلامي ما يمنع من اعتبار هذه الحقوق من الحقوق العينية، لأن "الحق العيني في الفقه الإسلامي لا يشترط فيه أن يكون محله عينًا مادية، بل يجوز أن يكون منفعة أو معنى، إذ المنظور في الحق العيني هو العلاقة المباشرة التي يقرها الشرع بين صاحب الحق ومحله، خلافًا لما استقر عليه الفقه الوضعي: من اشتراط كون محل الحق ماديًّا حتى يعتبر عينيًا، وبذلك يشمل الحق العيني في الشريعة الحقوق المالية وغير المالية" (٣) ، وجمهور الفقهاء يرون – كما سيأتي البيان – أن الملك علاقة اختصاص مقرة من الشارع تنشأ بين المالك ومحل الملك. ومحل الملك أعم من أن يكون ماديًا أو غير مادي، فيصح – والحال هذه – أن نعتبر الحقوق المعنوية مالًا، فيكون الحق المعنوي من مشتملات المال، فيصح أن يكون محلًا مادامت علاقة الاختصاص قائمة وهو منتفع به شرعًا إذ الانتفاع من كل شيء حسب طبيعته، والناس يعتبرون فيه القيمة. فقد تكاملت له عناصر الملك.


(١) يرجح الشيخ مصطفى الزرقا، تسميتها "حقوق الابتكار" لأن اسم "الحقوق الأدبية" ضيق لا يتلاءم مع كثير من أفراد هذا النوع، كالاختصاص بالعلامات الفارقة التجارية، والأدوات الصناعية المبتكرة، وعناوين المحال التجارية، مما لا صلة له بالأدب، والنتاج الفكرى، أما اسم "حق الابتكار" فيشمل الحقوق الأدبية كحق المؤلف في استغلال كتابه، والصحفي في امتياز صحيفته، والفنان في أثره الفني من الفنون الجميلة، كما يشمل الحقوق الصناعية والتجارية مما يسمونه اليوم "الملكية الصناعية" كحق مخترع الآلة، ومبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثقة، ومبتكر العنوان التجاري الذي أحرز الشهرة. انظر: المدخل إلى نظرية الالتزام: ٢/٢٦. وقد يقال في هذا الرأي: بأنه أخص من الدعوى فإن عبارة "حق الابتكار" توحي بتخصيص هذه الحقوق فيما هو ابتكار وإبداع فحسب في حين أن الحق ههنا قد يترتب ولا ابتكار فيه يذكر. سواء أكان في الأدبيات أو الأسماء التجارية، أو العملات التجارية أو الصناعية.
(٢) حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير: ٤/٤٥٧.
(٣) حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن، للدكتور فتحي الدريني: ص ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>