للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ناحية أخرى فإن "الاستئثار المقصود في الملك في الفقه الإسلامي، ليس معناه احتواء الشيء من قبل المالك، إنما معناه أن يختص به دون غيره، فلا يعترضه في التصرف فيه أحد ... والشريعة أيضًا لا تشترط التأبيد لتحقيق معنى الملك، بل إن طبيعة ملك المنفعة مثلًا تقتضي أن يكون مؤقتًا، كما في ملك منفعة العين المستأجرة" (١) .

وعدم اشتراط الشريعة التأبيد لتحقيق الملك، يجعل دخول الحقوق المعنوية وقبولها في إطار الشريعة وقواعدها ومقاصدها دخولًا طبيعيًا لا حرج فيه، بخلاف الحرج الواقع في القانون (٢) .


(١) الملكية، للدكتور عبد السلام العبادي: ص ١٩٨.
(٢) يقول الدكتور السنهوري مبينًا منافاة الحقوق المعنوية لحق الملكية من حيث طبيعة كل: في معرض كلامه عن حق المؤلف باعتباره حقًا معنويًا: "تتنافى طبيعة الملكية مع طبيعة الفكر من ناحيتين: " (الناحية الأولى) : أن الفكر لصيق بالشخصية بل هو جزء منها، ومن ثم فقد وجب تقييد نتاج الفكر بهذا الاعتبار الأساسي، فيوجد إلى جانب الحق المالي للمؤلف الحق الأدبي. وهذا الحق من شأنه أن يمكن المؤلف، - حتى بعد أن يبيع حقه المالي للناشر – أن يعيد النظر في فكره. وقد يبدو له أن يسترد من التداول ما سبق نشره، بل وله أن يتلفه بعد أن يعوض الناشر – وبذلك يستطيع أن يرجع بإرادته وحده فيما سبق له إجراؤه من التصرف. أما من يتصرف في شيء مادي تصرفًا باتًا، فليس له بإرادته وحده أن يرجع هذا التصرف، ولوفي مقابل تعويض. (والناحية الثانية) أن الفكر حياته في انتشاره لا في الاستئثار به، وإذا كان صاحب الفكر هو الذي ابتدع نتاج فكره، فالإنسانية شريكة له من وجهين. وجه تقتضي به المصلحة العامة، إذ لا تتقدم الإنسانية إلا بفضل انتشار الفكر. ووجه آخر يرجع إلى أن صاحب الفكر مدين على نحو ما للإنسانية، ففكره ليس إلا حلقة في سلسلة، تسبقها حلقات وتتلوها حلقات. فهو إذا كان قد أعان من لحقه، فقد استعان بمن سبقه. ومقتضى ذلك ألا يكون حق المؤلف أو المخترع حقًا مؤبدًا كما هو شأن الملكية المادية. وإذا كانت الملكية المادية لا تستعصي على التأبيد بل هي تقتضيه، فإن الحق في نتاج الفكر لا يجوز أن يكون مؤبدًا بل لا بد فيه من التوقيت". من أجل ذلك يجب أن ننفي عن حق المؤلف أو المخترع صفة الملكية، فالملكية حق استئثار مؤبد، في حين أن حق المؤلف أو المخترع حق استغلال مؤقت. ثم يبدي رأيه في طبيعة هذه الحقوق، فيقول: ويخلص من ذلك أن حق المؤلف أو المخترع ليس حق ملكية، بل هو حق عيني أصلي يستقل عن حق الملكية بمقوماته الخاصة، وترجع هذه المقومات إلى أنه يقع على شيء غير مادي. انظر: الوسيط: ٨/٢٧٩-٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>