للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وأما الحنفية: فإنهم يعبرون عن (الاختصاص) بـ (الحق) أو (الاستحقاق) لكن مفهومه واحد عندهم كما هو عند الجمهور، والاختلاف في الفروع. ولا مشاحة في الاصطلاح. يقول الكاساني: (لو حجر الأرض لا يملكها بالإجماع، لأن الموات يملك بالإحياء، ولكن صار أحق بها من غيره حتى لم يكن لغيره أن يزعجه. لأنه سبقت يده إليه، وإذا نزل بأرض مباحة أو رباط، صار أحق بها، ولم يكن لمن يجيء بعده أن يزعجه عنها) (١) .

وعلى هذا فيختلف الملك عن الاختصاص من حيث الموضوع ومن حيث ما يترتب على كل منهما من آثار.

فالملك موضوعه ومحله كل ما أجاز الشارع الانتفاع به، ويترتب عليه حق الملك التام وحرية التصرف الكاملة.

وأما الاختصاص فموضوعه ومحله المنافع أو المرافق العامة كالأسواق والطرق والأراضي الموات التي يقوم الشخص بتحديدها ووضع العلامات عليها، ومحله أيضًا ما حرمه الشارع ابتداء، وأجاز الانتفاع به في ظروف وحدود معينة كالانتفاع بجلد الميتة وكلب الصيد والحراسة – على خلاف بين الفقهاء في هذه الفروع.

٥- الملك والإباحة: عرف الجرجاني الإباحة بأنها: الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل في حدود الإذن (٢) .

وعرفها الزركشي بأنها: تسليط من المالك على استهلاك عين أو منفعة ولا تمليك فيها (٣) . وعرفها الشيخ علي الخفيف بأنها: حق يُثْْبِتُ للإنسان أثرًا لإذنه بأن ينتفع (٤) .

والإباحة قد تكون خاصة بأن يأذن المالك بالانتفاع من العين سواء كان مالكًا للعين أو المنفعة. إما باستهلاكها، كأن يأذن له أن يأكل طعامه أو أن يأذن له بمنفعة العين، كأن يأذن له أن يستخدم دابته.

ويترتب على الإباحة جواز التصرف بالعين أو المنفعة في حدود الإذن، دون أن يتعدى الجواز إلى التصرف بالانتفاع إلى العين تصرفًا مشعرًا بالملكية كأن يبيع أو يهب أو يؤجر. ولا يجوز الانتفاع لغير المأذون له، كما لا يجوز له أن يَكِلَ أو ينيب آخر، بل ينتفع بنفسه.

وقد تكون الإباحة عامة وتكون حينئذٍ من الشارع إما للانتفاع كما في استخدام الطرق العامة والمصالح العامة. وإما للتمليك كإباحة الصيد وإحياء الموات.

وعلى هذا فإن الأثر المترتب على الإباحة يختلف فيما إذا كان الإذن من الشارع أو من العباد، فإذن الشارع يفيد الملك أو الاختصاص.

وإذن العباد فيه الخلاف بين الفقهاء، هل تناول المباح على ملك المبيح أو على ملك المباح له، وهل يرتفع الضمان مطلقًا. وخلافهم أيضًا في حكم المباح المستهلك، وفي المال المنثور على وجه الإباحة.

والذي نميل إليه أن الإباحة لا تفيد في ذاتها تمليكًا، وإنما هي طريق إليه، والذي يملك تمليك المباح صاحبه مالك العين أو المنفعة ومجرد الإذن له ليس تمليكًا. (ولكنه بانتفاعه واستيفائه ما أذن فيه يتملك ما استوفاه، فالضيف يتملك الطعام بوضعه في فيه، ومن نثرت عليهم النقود في الأفراح والمحافل – حسبما جرت العادة – يملكونها بالتقاطها) (٥) .


(١) البدائع: ٦/١٩٥، كما استخدم الكاساني لفظ: (الاختصاص) في استدلاله على اعتبار الكلب مالًا، فقال: (والدليل على أنه منتفع به حقيقة مباح الانتفاع به شرعًا) ، والدليل على أنه مباح الانتفاع به شرعًا على الإطلاق أن الانتفاع به بجهة الحراسة والاصطياد مطلق شرعًا.. لأن شرعه يقع سببًا ووسيلة للاختصاص القاطع للمنازعة (البدائع: ٦/٣٠٠٦، طبع مطبعة الإمام) .
(٢) التعريفات ٢، بتصرف للإمام الشريف على بن محمد الجرجاني، الطبعة الأولى ١٤٠٣ هـ ١٩٨٣م بيروت.
(٣) قواعد الزركشي: ١/٧٣.
(٤) أحكام المعاملات، للشيخ علي الخفيف: ص ٤٢.
(٥) أحكام المعاملات، للشيخ علي الخفيف: ص ٤٤، وتراجع المسألة وتفصيل خلاف الفقهاء في كتاب: "الإباحة عند الأصوليين والفقهاء" للدكتور محمد سلام مدكور ص ٢٥٣ وما بعدها، الطبعة الثانية المطبعة العالمية ١٩٦٥م بمصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>