للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جانب آخر: فإن الاسم التجاري بما له من شهرة وسمعة لا يمثل في حقيقته المادة المصنعة أي لا يمثل محل الاتجار وعينه، فهذه المادة المصنعة هي بمثابة مصدر هذه الشهرة ومنبعها، ولا يبعد القول بأن الشهر والسمعة ثمرة هذه العين، وهي ثمرة غير محسوسة، أو بمعنى أصح منفعة غير محسوسة. وتأخذ هذه الثمرة قيمتها باعتبار مواصفات متميزة ومميزة لهذه العين عن غيرها.

وعلى هذا فإن الاسم التجاري صفة معنوية مستقلة نتجت عن عين هي مادة تجارية بذل التاجر في سبيل إتقانها وتسويقها جهده فكريًا وماديًا، فهي والحال هذه ثمرة منفصلة ومستقلة عن مصدرها استقلالًا ماديًا، وهي وإن كانت ثمرة ومنفعة، إلا أنها تختلف عن منافع الأعيان التابعة والمرتبطة بمثل العقارات والمنقولات، من حيث إنّ مصدر منافع الأعيان، هي ذات الأعيان فحسب، في حين أن مصدر منافع الاسم التجاري الجهد الذهني والمادي المبذول في هذه الأعيان.

ولما كان الاسم التجاري مصدره الجهد الذهني والمادي المنسوب لصاحبه، كان وجوده نسبيًا في السلع من النوع الواحد، وكان ذلك أدعى للتنافس والإبداع، مما يكسب الاسم التجاري المتميز شهرة وسمعة حقيقية. وهذا مما يحقق مقاصد الشارع في توفير الأصلح لمعايش الناس، وهذه مصلحة معتبرة شرعًا، فإذا تعارف الناس وتوافقوا على تفضيل اسم تجاري على آخر، كان هذا بمثابة مصلحة مستندها العرف.

ولما كانت المصلحة منفعة – كما قررنا سابقًا – والمنفعة مال متقوم على رأي جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة ومتأخري الحنفية، وهي كذلك أموال متقومة على رأي متقدمي الحنفية إذا ورد العقد عليها تحقيقًا لمصلحة الناس، فإذا كان ذلك كذلك فيمكن القول إن الاسم التجاري يعتبر مالًا في الفقه الإسلامي لا ريب.

وإذا كان الاسم التجاري منفعة ومالًا متقومًا صلح أن يكون محلًا للملك. لأن الناس تعارفوا على تموله وتقويمه واعتباره حتى جرى العرف بالاعتياض عنه بمقياس مدى ما فيه من منفعة متحصلة من استخدام مصدره.

فعين الاسم التجاري ليس مقصودًا لذاته بقدر ما هو مقصود من تحصيل منافعه كما قال العز بن عبد السلام: "إن المنافع هي المقصود الأظهر من جميع الأموال" (١) ، إذ لا يمكن أن تحاز المنافع إلا بطريق حيازة أعيانها، وما دام العرف قد جرى بين الناس بالاعتياض عن الاسم التجاري فهو – والحال هذه – يمثل قيمة مادية، لأن الناس لا يعتاضون ما لا قيمة له، وما له قيمة هو مال؛ لأنه كما قال الشافعي – وسبقت الإشارة إليه -: "لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه، وإن قلت، وما لا يطرحه الناس" (٢) ، فما يتموله الناس ولا يطرحونه فهذا منهم دليل على ماليته ومنفعته، ولذا رأينا قولهم: "إن مالا منفعة فيه ليس بمال فلا يقابل به" (٣) . فكل ما فيه منفعة فيه قيمة، وبقدر المنفعة تكون القيمة أي المالية، فالمنفعة مناط القيمة، سواء في ذلك الأعيان أو المنافع أو الأمور المعنوية.


(١) قواعد الأحكام: ٢/١٧.
(٢) الأشباه والنظائر للسيوطي: ص ٣٢٧.
(٣) حاشية قليوبي وعميرة: ١/١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>