للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جانب آخر فإن الجمهور كما رأينا يرى أن الملك علاقة معتبرة شرعًا بين المالك والمملوك وهذه العلاقة علاقة اختصاص، أو هو صفة شرعية يمنحها الشارع من يستحقها. والمال وصف شرعي كما قال الشاطبي: "المال ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه" (١) .

فالمال هاهنا وصف شرعي، أو اعتبار من الشارع بوجود هذه العلاقة، وما تستتبعه من حق التصرف ومنع الغير من الاعتداء عليه.

ويترتب على ذلك أن هذا الاعتبار الشرعي له دور في مالية الشيء، بل لولاه ما اعتبر الشيء مالًا، فكل ما يعتبره الشارع من هذا الوجه هو مال سواء أكان عينًا أم منفعة أم حقًا (٢) .

فمدار المالية على المنفعة عند فقهائنا لا على كون الشيء من الأعيان، قال البهوتي: "إن المال ما فيه منفعة مباحة " (٣) .

فقد يكون عينًا لا منفعة فيه فليس هو بمال حينئذ، وقد يكون غير عين تصحبه منفعة فيعتبر مالًا، إذا كانت المنفعة محترمة شرعًا، ومتقومة عرفًا، ويمكن إحرازها، ولا يحتم الفقهاء في تحقق ملك المنفعة ملك العين، وإنما يعتبرون إمكان الحيازة كافيًا في تحقق الملك.

فإذا جرى الملك في الأعيان أو المنافع اعتبر المحل مالًا: "فإن جريان الملك في الأعيان يستلزم ماليتها ما دام الانتفاع به مباحًا شرعًا. وجريان الملك في المنافع يستلزم ماليتها شرعًا أيضًا على الراجح في الفقه الإسلامي المقارن والمعاوضة أساسها الملك " (٤) ، وهي جارية عرفًا في الاسم التجاري وما في حكمه كالابتكار الذهني، وقد بين الشيخ علي الخفيف صفة المالية ومناطها، فقال: "ومن الفقهاء من صرح بأن (المالية) ليست إلا صفة للأشياء، بناء على تمول الناس، واتخاذهم إياها مالًا، ومحلًا لتعاملهم، ولذلك لا يكون إلا إذا دعتهم حاجتهم إلى ذلك، فمالت إليه طباعهم، وكان في الإمكان التسلط عليه، والاستئثار به، ومنعه من الناس، وليس يلزم لذلك أن يكون مادة مدخرة لوقت الحاجة، بل يكفي أن يكون الحصول عليها ميسورًا عند الحاجة إليها غير متعذر، وذلك متحقق في المنافع، فإذا ما تحقق ذلك فيها، عدت من الأموال، بناء على عرف الناس وتعاملهم" (٥) ، "فالمنفعة تعتبر أساسًا للقيمة والمالية، ولو كانت ترفيهية يسيرة الشأن، كما في تغريد بلبل أو تصويت ببغاء" (٦) .

وعلى هذا كله يمكن القول مع الاطمئنان: أن الاسم التجاري منفعة ومال من جانب وهو حق في ذات الوقت من جانب آخر، ولما كانت الحقوق أموالًا يجري فيها الاختصاص والملك ما دام محلها مالًا، أو له تعلق بالمال، ويقبل التجزيء، فإن الاسم التجاري من هذا الوجه مال ومنفعة وحق.


(١) الموافقات: ٢/١٧.
(٢) الحقوق أموال عند المالكية، انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ٤/٤٥٧، وسيأتي لذلك ذكر لاحقًا.
(٣) الإقناع: ٢/٥٩.
(٤) حق الابتكار، الدكتور فتحي الدريني: ص ٣٠.
(٥) الملكية: ١/١٣.
(٦) حق الابتكار، الدكتور فتحي الدريني: ص ٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>