ذهب أكثر من تكلم عن ودائع البنوك إلى أنها تعتبر قرضا، ويشيع بين آخرين أنها وديعة، حيث يقال: نحن لا نقرض البنك وإنما نودع لديه. وذهب بعض من أراد أن يستحل فوائد البنوك إلى القول بأن هذه الفوائد تعتبر أجرا لاستعمال النقود أي أن الودائع تدخل تحت عقد الإجارة.
ولعل من المفيد هنا أن نذكر ما يبين الفرق بين العقود الثلاثة كما جاء في الفقه الإسلامي: عقد القرض ينقل الملكية للمقترض، وله أن يستهلك العين، ويتعهد برد المثل لا العين. والمقترض ضامن للقرض إذا تلف أو هلك أو ضاع، يستوي في هذا تفريطه وعدم تفريطه. أما الوديعة فهي أمانة تحفظ عند المستودع. وإذا هلكت فإنما تهلك على صاحبها لأن الملكية لا تنقل إلى المستودع، وليس له الانتفاع بها، ولذلك فهو غير ضامن لها إلا إذا كان الهلاك أو الضياع بسبب منه.
والعقد الثالث وهو الإجارة: فمن المعلوم أنه لا ينقل الملكية للمستأجر وإنما يعطيه حق الانتفاع مع بقاء العين لصاحبها ويدفع أجرا مقابل هذا الانتفاع , ولذلك يطلق على الإجارة " بيع المنافع " فتجوز إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقاء العين بحكم الأصل، ولا تجوز إجارة ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالطعام، فلا ينتفع به إلا باستهلاكه، والإجارة عقد على المنافع، فلا تجوز لاستيفاء عين واستهلاكها، ومثل الطعام النقود، فلا يمكن الانتفاع بها إلا بإنفاقها في الشراء أو غيره، أي باستهلاك العين، والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، أن تلفت بغير تفريط لم يضمنها.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول بأن ودائع البنوك سميت بغير حقيقتها فهي ليست وديعة؛ لأن البنك لا يأخذها كأمانة يحتفظ بعينها لترد إلى أصحابها، وإنما يستهلكها في أعماله ويلتزم برد المثل.
وهذا واضح في الودائع التي يدفع البنك عليها فوائد، فما كان ليدفع هذه الفوائد مقابل الاحتفاظ بالأمانات وردها إلى أصحابها.
أما الحسابات الجارية فمن عرف أعمال البنوك أدرك أنها تستهلك نسبة كبيرة من أرصدة هذه الحسابات.