كما أن البنك في جميع الحالات ضامن لرد المثل، فلو كانت وديعة لما كان ضامنا، ولما جاز له استهلاكها.
ومن الواضح الجلي أن ودائع البنوك لا تدخل في باب الإجارة، ويكفي أن ننظر إلى طبيعة النقود، وإلى عملية الإيداع من حيث الملكية والضمان والاستهلاك.
ولم يبق إلا القرض وهو ينطبق تماما على عقد الإيداع.
وإذا نظرنا إلى القانون نجد أن تشريعات معظم الدول العربية تعتبر هذه الودائع قرضا، قال العلامة الأستاذ الدكتور عبد الرازق السنهوري في كتابه (الوسيط في شرح القانون المدني) : " ويتميز القرض عن الوديعة في أن القرض ينقل ملكية الشيء المقترض إلى المقترض على أن يرد مثله في نهاية القرض إلى المقرض، أما الوديعة فلا تنقل ملكية الشيء المودع إلى المودع عنده بل يبقى ملك المودع ويسترده بالذات. هذا إلا أن المقترض ينتفع بمبلغ القرض بعد أن أصبح مالكا له، أما المودع عنده فلا ينتفع بالشيء المودع بل يلتزم بحفظه حتى يرده إلى صاحبه.
ومع ذلك فقد يودع شخص عند آخر مبلغا من النقود أو شيئا آخر مما يهلك بالاستعمال ويأذن له في استعماله، وهذا ما يسمى بالوديعة الناقصة.
وقد حسم التقنين المدني الجديد الخلاف في طبعية الوديعة الناقصة، فكيفها بأنها قرض. وتقول المادة ٧٢٦ مدني في هذا المعنى: إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال، وكان المودع عنده مأذونا له في استعماله اعتبر العقد قرضا.
أما في فرنسا فالفقه مختلف في تكييف الودائع الناقصة. والرأي الغالب هو الرجوع إلى نية المتعاقدين. فإذا قصد صاحب النقود أن يتخلص من عناء حفظها بإيداعها عند الآخر فالعقد وديعة. أما أن قصد الطرفان منفعة من تسلم النقود عن طريق استعمالها لمصلحته فالعقد قرض. ويكون العقد قرضا بوجه خاص إذا كان من تسلم النقود مصرفا " (٥/٤٢٨- ٤٢٩) وقال بعد ذلك في حديث عن صور مختلفة لعقد القرض: " وقد يتخذ القرض صورا مختلفة أخرى غير الصور المألوفة.. من ذلك إيداع نقود في مصرف، فالعميل الذي أودع النقود هو المقرض، والمصرف هو المقترض، وقد قدمنا أن هذه وديعة ناقصة وتعتبر قرضا "(٥/٤٣٥) .