ويقول الدكتور علي جمال الدين عوض في كتابه (عمليات البنوك من الوجهة القانونية) :
إذا نظرنا إلى الحالة الغالبة للوديعة المصرفية وجدناها قرضا؛ لأن الوديعة تكون بقصد الحفظ والمودع لديه يقوم بخدمة للمودع، في حين أنه في القرض يستخدم المقترض مال غيره في مصالحه الخاصة، والتمييز دقيق بين كل من القرض والوديعة في العمل، فإذا وعد البنك برد النقود لدى الطلب فقد يمكن القول أن هناك وديعة؛ لأن الرد بمجرد الطلب يمنع البنك من استخدام النقود.
ولذلك فهو يقوم بخدمة لعملائه ولا يعتبر مقترضا، لكن هذا لم يعد صحيحا اليوم إلا من الناحية النظرية، فإن البنوك إذ تقبل الودائع ترد لدى الطلب أو بعد مدة قصيرة من الطلب، فإن ذلك لا يمنعها من استخدام النقود في مصالحها، اعتمادا منها على أن المودعين لن يتقدموا جميعا لطلب الاسترداد دفعة واحدة في وقت واحد، وأن سحب بعض الودائع يؤدي إلى إيداع مبالغ جديدة، وأن الودائع الجديدة تستخدم في مواجهة طلبات الاسترداد، وأنه على أي حال إذا زاد القدر المطلوب على الموجود فعلا لدى البنك فإنه يستطيع بطرق متعددة الحصول على ما يلزمه لمواجهة الطلبات الجديدة، فضلا عن أن الوديعة بالمعنى الفني الدقيق التي تهدف إلى خدمة المودع تفرض في الواقع أن البنك المودع لديه لا يعطي فائدة عنه، بل فوق ذلك يتقاضى أجرا عن هذه الخدمة؛ لأن مجانية الإيداع التي يطلبها الفرد يصعب أن يقبلها البنك، كما أن القانون المدني لا يفترض في الوديعة أجرا إلا لصالح المودع لديه، في حين أن البنك لا يتلقى أي أجر عن عمله، بل إنه يعطي فائدة للعميل مقابل إبقاء النقود لديه.
ولذلك يمكن القول بالنظر على الواقع أن الوديعة النقدية المصرفية في صورتها الغالبة تعد قرضا، وهو ما يتفق مع القانون المصري حيث تنص المادة ٧٢٦ منه على ما يأتي: إذا كانت الوديعة مبلغا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك باستعماله، وكان المودع عنده مأذونا له في استعماله اعتبر العقد قرضا. ويأخذ كثير من تشريعات البلاد العربية بهذه القرينة، أي ينص على أن البنك يمتلك النقود المودعة لديه، ويلتزم بمجرد رد مثلها من نفس النوع.
(راجع ما كتبه عن طبيعة الوديعة النقدية المصرفية ص٢٠-٢٨ والجزء الذي نقلناه منه بتصرف من صفحات ٢٢، ٢٦، ٢٧) .