للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك الشافعية، أفتى المتأخرون منهم بجواز النزول عن الوظائف بمال، يقول العلامة الرملي رحمه الله تعالى:

" وأفتى الوالد رحمه الله تعالى بحل النزول عن الوظائف بالمال، أي لأنه من أقسام الجعالة فيستحقه النازل ويسقط حقه " (١) .

وأقره الشبراملسي في حاشيته، بل فرَّع عليه جواز النزول عن الجوامك بمال أيضًا (٢) ، ولكنه ذكر أن هذا الحكم إنما يجري في وظائف الأوقاف الدائمة. وأما الوظائف الحكومية التي لا دوام فيها، فلا يجوز الاعتياض عنها، يقول الشبراملسي:

" وأما المناصب الديوانية، كالكتبة الذين يقررون من جهة الباشا فيها، فالظاهر أنهم إنما يتصرفون فيها بالنيابة عن صاحب الدولة، في ضبط ما يتعلق به من المصالح فهو مخير بين إبقائهم وعزلهم ولو بلا حجة فليس لهم يد حقيقة على شيء ينزلون عنه، بل متى عزلوا أنفسهم انعزلوا، وإذا أسقطوا حقهم عن شيء لغيرهم، فليس لهم العود إلا بتولية جديدة ممن له الولاية، ولا يجوز لهم أخذ عوض على نزولهم " (٣) .

وكذلك يبدو الحكم في مذهب الحنابلة، فإنهم ذكروا أن من حاز وظيفة في الوقف صار أحق بها، ويجوز له أن ينزل عنها لغيره، ولا يجوز له بيع هذا الحق (٤) ولكن ذكر البهوتي أنه يجوز النزول عنها بعوض لا على وجه البيع، يقول البهوتي بعد ذكر عدة مسائل من هذا القبيل.

" (وليس له) ، أي لمن قلنا إنه أحق بشيء من ذلك السابق (بيعه) ، لأنه لم يملكه كحق الشفعة قبل الأخذ، وكمن سبق إلى مباح، لكن النزول عنه بعوض على وجه البيع جائزة، كما ذكره ابن نصر الله قياسًا على الخلع " (٥)

أما المالكية، فلم أجد عندهم في تتبعى القاصر شيئًا صريحًا في باب النزول عن الوظائف، ولكنهم يجيزون بيع الجامكية " (٦) ، فربما يقاس عليه النزول عن الوظائف، والله سبحانه أعلم.

وربما يستدل على جواز النزول عن الوظائف بمال بنزول سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، فإنه صالحه على مال. ويقول العلامة بدر الدين العيني رحمه الله تحت هذا الحديث:

" وفيه جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحًا للمسلمين، جواز أخذ المال على ذلك وإعطائه بعد استيفاء شرائطه بأن يكون المنزول له أولى من النازل، وأن يكون المبذول من مال الباذل " (٧) .

والذى يتلخص من كلام الفقهاء في هذا الباب أن بيع حق الوظيفة لا يجوز عندهم، ولكنه يجوز عند جمهور الفقهاء المتأخرين أن يتنازل صاحب الوظيفة عن حقه، ويأخذ على ذلك مالًا من الذي تنازل في حقه.


(١) نهاية المحتاج: ٥/٤٧٨.
(٢) جمع الجامكية، وهي مبلغ معلوم يقرر لرجل كعطاء من بيت المال، ولا يجوز بيعه عند الحنفية لكونه بيع الدَّين من غير من عليه الدَّين، وراجع له رد المحتار.
(٣) حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج: ٦/٤٧٨.
(٤) الإنصاف للمرداوي: ٦/٣٧٦؛ وكشاف القناع: ٤/٢١٦،
(٥) شرح منتهى الإرادات: ٢/٤٦٤.
(٦) مواهب الجليل للحطاب: ٤/٢٢٤
(٧) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، أبواب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا السيد: ٢٤/٢٠٨، من طبع المنيرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>