للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدمة

الحقوق المعنوية

بدأنا بحثنا بهذا العنوان التمهيدي، انسجامًا مع أصل العنوان المقترح للبحث، والذي يهمنا بيانه، هو الاطلاع على مدى علاقة " الحقوق المعنوية " بحق الابتكار، وما يسمى بالاسم التجاري ونحوه.. حتى إذا تبين أن هذه الحقوق الجزئية التي قد ينظر إليها من حيث هي منافع متقومة، داخلة تحت هذا العنوان: " الحقوق المعنوية " أدخلناها تحت سلطان الأحكام المترتبة عليه، تلك الأحكام المعروفة والمفصلة في أماكنها من كتب الفقه.

أما إن رأينا أن هذه الحقوق الجزئية التي نريد الحديث عنها، بمعزل عن مضمون هذا العنوان، فلا مناص عندئذ من إبعاده عن خطة البحث، حتى لا نقع في أي متاهة أو لبس.

كلمة " الحقوق المعنوية " يراد بها في المصطلح الفقهي ما يقابل الحقوق المالية سواء منها ما يتعلق بالأعيان المتقومة أو بالمنافع العارضة.. كحق البائع في الثمن وحق المشتري في المبيع، وحق الشفيع في الشفعة، وكحقوق الارتفاع وحق المستأجر في السكنى (١)

فكل حق لم يتعلق بمال عيني ولا بشيء من منافعه العارضة، فهو حق معنوي.. مثل حق القصاص وحق رفع الدعاوى وحق الطلاق والولاية، وسائر الحقوق المتعلقة بالكرامة الإنسانية وعموم ما يدخل في معني " العرض " (٢) .

ذلك لأن الاختصاص الذي يقضي به الشارع لصاحب هذا الحق، أمر تقديري لا ينحط على عين مادية، ولا يسري ضمن منفعة متقومة، فكان هذا الاختصاص من جراء ذلك (وهو معنى الحق في الجملة) شيئًا معنويًا أو متعلقًا بأمر معنوي.

ولا يغير من واقع هذا الاصطلاح ومعناه، إمكان الاستعاضة عن بعض الحقوق المعنوية بالمال، كالقصاص مثلًا، ذلك لأن مشروعية الاستعاضة فيه ليست آتية من كون ذلك الحق متقومًا بذاته، بل بموجب نص من الشارع في ذلك الحق بعينه، بحيث لو لم ينص الشارع على مشروعية الدية، لما ظهر أي جسر بينه وبين القصاص يتمثل في المنفعة المتقومة.

على أن حديثنا لن يتناول شيئًا مما يدخل تحت اسم الاستعاضة عن الحق المعنوي بالمعني الفقهي المحدد، وإنما يتناول البحث في مدى سريان معني المال ضمن حقوق معينة، قضى العرف التجاري بها أو بكثير منها اليوم حتى إذا علمنا أنها تنطوي شرعًا، وبحد ذاتها، على قيمة مالية ثابتة، بنينا على ذلك الأحكام الملائمة، من إمكان البيع والرهن والإيجار وعقد الشركات، والحوالة بها وعليها ونحو ذلك.

ونظرًا إلى هذا كله، فإن بوسعنا أن نقرر بأن " الحقوق المعنوية " لا علاقة لها بكل من حق الابتكار والاسم التجاري. وستزداد هذه الحقيقة وضوحًا خلال دراستنا لكل من هذين الحقين وما يتعلق بكل منهما، لا سيما عصرنا هذا.


(١) وبذلك تشمل كلمة الحقوق المالية ما يتعلق بالأعيان التي يمكن حيازتها، وهو المعني بالمال في اصطلاح الحنفية، وما يتعلق بالمنافع، وهو داخل في معنى المال عند غيرهم من جمهور الفقهاء.
(٢) انظر أقسام الحق وأنواع الاختصاصات في كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعزبن عبد السلام: ٢ / ٥٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>