للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حق الابتكار أو الإبداع

لعل هذا الاصطلاح فيه من الاتساع ما يشمل سائر الصور والجزئيات المطروحة في هذا البحث من حق التأليف وإبداع الصنعة ومدلول " الماركة " وعموم ما يسمى اليوم بالاسم التجاري.

ذلك لأن مصدر الحق في هذه الصورة الجزئية وأمثالها، هو الجهد الإبداعي الذي استقل به شخص دون غيره، أو أشخاص محددون. سواء تعلق هذا الحق بمعان ومدركات ذهنية مجردة، أو تعلق بمصنوع مادي أورث اهتمامًا وفائدة للآخرين.

غير أن حديثنا تحت هذا العنوان الجزئي إنما يتناول التأليف دون غيره من المبتكرات الأخرى، وهي كثيرة ومتنوعة.

والمفروض أن المراد بالتأليف في هذا المقام، ما ينطوي على عمل إبداعي أيًا كانت درجته من الأهمية. فأما التأليف الذي يطلق في بعض الأحيان، تبعًا، علي عملية نقل مجردة، أو تجميع عار عن أي تركيب إبداعي يبرز فائدة جديدة لم تكن معروفة ولا واضحة، فهو وإن اندرج تبعًا تحت اسم التأليف، لا يمكن أن يدخل في معني الإبداع أو الابتكار الذي هو مناط ما سننتهي إليه من الأحكام.

إذا تحدد المضمون المراد من هذا العنوان، فلنبدأ بعرض السؤال التالي:

هل الجهد الفكري في التأليف، يورث صاحبه – في ميزان الشرع – أي اختصاص حاجز يتضمن معنى الحق؟ (١) .

والجواب نعم، بل لا نعلم في هذا القدر أي خلاف.. ومن أبرز ما يدل على ذلك ما هو ثابت من حرمة انتحال الرجل قولًا لغيره، أو إسناده إلى غير من صدر عنه بل كانت الشريعة الإسلامية قاضية ولا تزال بنسبة الكلمة والفكرة إلى صاحبها.. لينال هو دون غيره أجر ما قد تنطوي عليه من خير، ويتحمل وزر ما قد تجره من شر.

بل وقد ذهب الإمام أحمد في تحديد هذا الاختصاص وتفسيره مذهبًا جعله يمنع من الإقدام علي الاستفادة بالنقل والكتابة عن مقال أو مؤلف عرف صاحبه، إلا بعد الاستئذان منه.

فقد روى الغزالي أن الإمام أحمد سئل عمن سقطت منه ورقة كتب فيها أحاديث أو نحوها، أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم يردها؟ فقال: لا، بل يستأذن، ثم يكتب (٢) .


(١) عرف صاحب كشف الأسرار الحق الخاص بأنه: موجود من كل وجه تتعلق به مصلحة خاصة عائدة لمن ينسب إليه. وهذا التعريف ينطوي على الاختصاص الحاجز كما هو واضح. (كشف الأسرار على أصول البزدوي: ٤ / ١٣٤ و ١٣٥) .
(٢) الإحياء، للإمام الغزالي: ١ / ٩٦ طبعة مصطفى محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>