في الفتوى السابقة لمجمع البحوث إشارة لعدم التفرقة بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي من حيث تحريم فوائد كلا النوعين من القروض.
وإذا كان تحريم القروض الاستهلاكية أمرا لا خلاف حوله، فإن تحريم فوائد القروض الإنتاجية يجب أن تستقر عليه الفتوى، فهي القروض الربوية التي شاعت وانتشرت في العصر الجاهلي، ثم جاء الإسلام فحرم ربا الديون جميعها.
وإذا نظرنا إلى البيئة العربية التي نزل فيها التحريم لم نكد نجد قرضا استهلاكيا، ذلك أن الربا قل أن يحتاج إلى هذا النوع من القروض:
فالعرب في الصحراء كان غذاؤهم فيها بسيطا، فقليل من الشعير يكفيهم، وإذا أضيف التمر واللبن فذلك غذاء رافه، وكان لباسهم بسيطا كغذائهم، وهو ليس أكثر من ثوب طويل يضمه في وسطه منطقة، وقد تلفه عباءة، وغطاء للرأس يمسكه عقال ". " ولم تكن خصلة عندهم تفوق خصلة الكرم وقد بعثتها فيهم حياة الصحراء القاسية، وما فيها من إجداب وإمحال، فكان الغني بينهم يعطف على الفقير، كثيرا ما كان يذبح إبله في سنين القحط، يطعمها عشيرته، كما يذبحها قرير العين لضيفانه الذين ينزلون به أو تدفعهم الصحراء إليه. ومن سنتهم أنهم كانوا يوقدون النار ليلا على الكثبان والجبال؛ ليهتدي إليهم التائهون والضالون في الفيافي، فإذا وفدوا عليهم أمنوهم حتى لو كانوا من عدوهم ".
(انظر كتاب: العصر الجاهلي للدكتور شوقي ضيف ص٦٨، ص٧٨)
أما مكة في الجاهلية فكانت مدينة تجارية عظيمة، وأهلها اعتادوا القيام برحلتين تجاريتين: إحداهما إلى اليمن شتاء، والأخرى إلى الشام صيفا، وقد امتن الله عز وجل عليهم بهذا في سورة قريش كما هو معلوم.
" وعقد عبد شمس معاهدة تجارية مع النجاشي، كما عقد نوفل والمطلب حلفا مع فارس ومعاهدة تجارية مع الحميريين في اليمن. وكذلك ازدادت مكة منعةو جاه كما ازدادت يسارا، وبلغ أهلها من المهارة في التجارة أن أصبحوا لا يدانيهم فيها مدان من أهل عصرهم. كانت القوافل تجيء إليها من كل صوب، وتصدر عنها في رحلتي الشتاء والصيف، وكانت الأسواق تنصب فيما حولها لتصريف هذه التجارة فيها، ولذلك مهر أهلها في النسيئة والربا، وفي كل ما يتصل بالتجارة من أسباب المعاملات " (حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل ص٩٧) .
من هنا نرى أن مثل هذا المجتمع العربي تندر فيه القروض الاستهلاكية، وتكثر القروض الإنتاجية للتجارة.