للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم الأصل التجاري:

وبناء على كل ما تقدم يمكن أن نقول إن ثبوت الأصل التجاري يمكن المستأجر من الاستقرار في المحل رغم إرادة المالك اعتبارًا للمصلحة أو الرخصة أو الضرورة.

مع العلم أن رأي فقهاء المسلمين في هذه القضية وأمثالها ليس متحدًا، فإذا تعرضنا في بحثنا هذا إلى من أجاز إبقاء المستأجر في المحل نظرًا لما ترتب له من حقوق في الزيادات المادية والمعنوية التي قام بها في المحل التجاري ...

فليس معنى ذلك أن القول بالجواز هو المشهور، بل هو تخريج لمعاملات المسلمين على ما جرى عليه العرف الخاص في بعض البلدان الإسلامية بفتاوى من علماء أجلاء من المغرب والمشرق.

المانعون للعمل بالأعراف الخاصة:

أما المانعون لهذا النوع من المعاملة، فإنهم يقررون بأنه لا حق للمستأجر في البقاء في المحل بعد انتهاء المدة إلا برضا المالك، بل إن منهم من يشجب الاستناد إلى الأعراف الخاصة التي تخالف القواعد الشرعية ويندد بأصحابها. والقائمين عليها، بل يعتبرها بعضهم من التحاكم إلى الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به (١) .

ويقررون أن أموال بدل الخلوات لا تحل لأصحابها، وأن أكلها حرام، إذ هو ناشئ عن الإضرار بالأوقاف وأصحاب العقارات.

وأن الذين يتعاملون بالأعراف الخاصة المخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية ولما تعورف عند فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم هو خروج عن الجادة.

وأن الشيخ ميارة من علماء المغرب، لما سئل عن الجلسة المتعارفة في المغرب قال: " أما مسألة الجلسة فلم أقف على نص فيها ولا أظنه يوجد لأنها محض اصطلاح من المتأخرين ولأنها اشتملت على أمور مخالفة للشريعة الإسلامية ".

وبمثل هذا أجاب الشيخ عبد الواحد بن عاشر، إذ صرح بأن مسألة الجلسة التي حدثت لا أصل لها في الشرع.

وأشار الجلالي إلى أن الجلسة " أحدثها أهل الغصوبات من أنواع الجور وقد وقع التشكي بظلمها أيام حياة العلماء حفاظ المذهب، كالحميدي والسراج، ووقع الاهتمام بقطعها فلم الجور معينًا ولا ناصرًا من أهل الدولة، وتعصب أصحابها بذوي الجور والظلم، وبقي أمرها كذلك إلى أن قدم السلطان أحمد المنصور فرفع إليه أمرها فقطعها، واستبد أرباب الأصول بمنفعة رباعهم واضمحل ذلك الباطل وهكذا كان الحال عام ١٠١٣هـ ".

وعلى نفس الرأي عبر المسناوي فقد جاء في كلامه " وبالجملة فأمر الجلسة مما غص به الناس قديمًا وحديثًا لتحكم العوائد على القواعد وغلبة العامة على الخاصة مع الجهل منهم " (٢) .

وذكر الشيخ محمد السنوسي الحفيد أن محمد باي بتونس حاول إبطال العمل بالنصبات بعاصمة تونس استنادًا لكلام أبي الفداء الشيخ إسماعيل التميمي، فلم يتيسر ذلك له لما يطرأ على ذلك من ضرر كبير على مالكي النصبات، وهم جم غفير (٣) .

إن من أجازها من علماء الحنفية قاسها على من أجاز بيع الوفاء أو عدها من باب جواز تقليد آراء المذاهب تحقيقًا للرخصة والضرورة، وهم يقررون أن حكم الزيادة التي أحدثها المستأجر في المحل:

إن كانت برضا المالك مما لا يجوز قلعه فله الرجوع على المالك بما بذل من مال.

وإذا كانت الزيادة مما تنقل أو تحول فله أخذ ما أضافه أو مطالبة المالك بدفع قيمة ما أضاف والمالك مخير.

يقول الشيخ عليش في فتاويه (٤) : " فإن أذن المالك للساكن في وضع شيء من خشبه أو نحوه كان باقيًا على ملك الساكن وللمالك إخراجه ويأخذ قيمته أو شيئه بعد إخراجه ".

أما إذا كانت الزيادة التي قام بها المستأجر بلا إذن المالك فلا رجوع عليه بشيء ويخير صاحب العقار بين أن يدفع له ما زاد أو قيمته مقلوعًا، يقول الشيخ عليش: " أما العمارة بلا إذن المالك فلا يحاسب بها وله أخذ عين شيئه أو قيمته بعد قلعه " (٥) .

وبهذا يتبين أن لا حق للمستأجر في جميع الحالات من البقاء في المحل، ويرى بعض العلماء أن العمل بهذه الأحكام العرفية هو الذي شجع التجار على الاستقرار بالمحلات بعد انقضاء الأجل ولو لم تكن هناك ضرورة ملحة ونفر أصحاب رؤوس الأموال من التمادي في البناء.

ولو أخذت الدولة على عاتقها تكوين الأسواق أو شجعت رؤوس الأموال على بناء محلات تفي بحاجة التجار لانحل المشكل من الأساس.

والحل السريع في هذا الموضوع، هو أن يقع التعاقد على مدة يراها المستأجر كافية للتحصيل على الرخص اللازمة لجبر المصاريف الكافية لإعداد المحل التجاري مع ما يؤمله من أرباح بالتراضي مع المالك ولو طالت المدة، وإذا انتهى لأمد المتفق عليه استرجع المالك عقاره أو جدد الكراء.


(١) عمر بن عبد الكريم الحيدي: العرف والعمل في المذهب المالكي: ص ٢٥٦.
(٢) عمر بن عبد الكريم الحيدي: ص ٤٧١.
(٣) محمد السنوسي الحفيد، مطلع الدراري ص: ١٥٨.
(٤) الشيخ عليش، فتح العلي المالك: ٢/١٤٦.
(٥) الشيخ عليش، فتح العلي المالك: ٢/١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>